كلام في التربية: المعلم، الطالب والإنسان




إن التربية " يد مفتوحة تحتضن زهرة بكل رفق وحنان " . هذا ما سمعناه قبيل أشهر من ضيف إسكتلندي، زارنا في وفد مفوض من قبل غبطة البطريرك ميشيل الصباح الجزيل الاحترام وفرسان القبر المقدس لتفقد مدارس البطريركية في الأردن وفلسطين. وهذا الاسكتلندي هو البروفيسور بارك ماكاثريك عميد كلية التربية في كلاسكو. لقد أعجبت بالصورة الشاعرية التي نقلها لنا الضيف ، ولكن من ناحية أخرى، فقد اكتشفت أننا نعمل جميعا بهذه العقلية . فالفريق التربوي الذي يرئس هذه المدارس : الأب اميل سلايطة والأب رياض حجازين والأب حنا كلداني يرى في العملية التربوية بعدا إنسانيا يعمل على بناء الإنسان الحر السوي . ولا شك أن خلفنا تراث ثر ، تركه لنا الكهنة والمديرون الأوائل مؤسسو مدارس البطريركية ، ننهل منه الخبرات والمرجعية التي تجد جذورها في الفهم الإنجيلي لشخصية الإنسان وتربيته . وهذه العقلية التي أوردت ذكرها ليست الشواذ في القاعدة ، بل القاعدة في حد ذاتها . فغدا العنف المادي والمعنوي والتسلط والفكر العرفي في المدارس السلوك الشاذ أمام القاعدة العامة التي يعمل فيها الإداريون والمعلمون .

إن التطور الحقيقي لا يمكن أن يكون في ناحية واحدة ويهمل الأخرى ، ولا يمكن أن يكون من طرف واحد في العملية التربوية وتهمله الأطراف الأخرى . فعليه لقد وجدنا تجاوبا رائعا بين الإدارة العامة والاخوة والأخوات الكهنة والراهبات والإداريين والمعلمين في العملية التطويرية التي في المدارس . أما أبعاد هذا التطوير فهي أولا العلاقة الأخوية التي تربط العاملين في الإدارة العامة والمدارس . وثانيا في فتح العملية التربوية أمام التعاون وتبادل الخبرات من خلال الإشراف التربوي الداخلي. فالمعلم ليس الحاكم المطلق وليس هو العارف بكل شئ وليس المستبد بطلبته ، بل ذلك الإنسان الذي يسعى إلى تطوير قدراته واكتشاف أسرار الطفل ، ليلج به إلى الحياة بكل ثقة وقوة واستقلالية . فتنمية شخصية الطالب وجدت دورها وحيزها في مجالس الطلبة ورؤساء الأسر الصفية وبرنامج قلوب وأيدي حول العالم الذي يسعى إلى تطوير مفهوم الديمقراطية والمجتمع المدني لدى الطلبة وانفتاحهم على آمال الشعوب وأوجاعها مصائبها.

إن الحياة الكريمة التي نسعى لتحقيقها لمعلمينا لا تشمل تأمين الحاجات المعيشية الأساسية وحسب ، بل نتطلع أن يكون راتب المعلم كافيا لتأمين حتى حاجاته الترفيهية والثقافية وتأمين التعليم الجامعي لأبنائه ، ومن هنا جاءت فكرة " زيادة الرواتب " التي يستفسر عنا المعلمون دوما وصندوق البعثات الجامعية لأبناء المعلمين . إن زيادة الرواتب ليست هدفا بحد ذاتها بقدر ما هي وسيلة للوصول إلى الاستقرار الوظيفي و " العيش الكريم " بكل ما تعنيه هذه الكلمة السامية من معنى .

وأخيرا ونحن على إطلالة الألفية الثالثة ، وهيبة السيد المسيح تهيمن على هذه الألفية ، نقول لمعلمينا لا تخافوا وانظروا إلى فوق . فانتم تحملون اشرف الألقاب وأكرمها أي " المعلم " ، وهو من ألقاب السيد المسيح الواردة في الكتاب المقدس . أما طلبتكم ، فهم أبناء الله وتلاميذ السيد المسيح، فلا نرى فيهم مجرد أطفال أشقياء، بل أحباء الله وزهرة نحملها بيد مفتوحة بكل رفق وحنان.


الأب حنا كلداني

نوفمبر1999

HOME

 

1