الروائية إيزابيل ألليندي:
يعتقد الأمريكيون أنهم قادرون على احتكار كل شيء.. حتى الفكر؟

ترجمة وإعداد: صفاء شاهين

 

No.176 (10/11/04)

 

عندما جاءت الكاتبة التشيلية إيزابيل ألليندي إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل 16 عاماً كي تقترن بزوجها الثاني، المحامي، دهشت من المفهوم الأمريكي السائد القائم على أساس أنك إذا دفعت ما يكفي لتأمين حياتك، فإنك ستحمي نفسك من جميع الأخطاء. تقول: (يعتقد الأمريكيون أنهم قادرون على احتكار كل شيء.. حتى الإبداع الفكري، وتوجيهه وليّ عنقه حتى يخدم مصالحهم وقيم مجتمعهم. لا أفهم ذلك ولا أجد له تبريراً منطقياً أو موضوعياً.. لكن يبدو أن عليك أن تتقبل مخاطرة الحياة !).

في سن الستين، تعرف ألليندي كل ما يتعلق بأخطار العيش، جيدها وسيئها. عندما اقتربت من الأربعين، كتبت أول رواياتها (بيت الأرواح) التي استقطبت اهتماماً عالمياً، هجرت أمريكا اللاتينية كي تتزوج من أجنبي، وتعرضت لخطر السجن عندما مشت في جنازة بابلو نيرودا الكاتب التشيلي العظيم الحائز على جائزة نوبل للأدب. ومثل جميع الأمهات رزقت بالأطفال، ولد وبنت. في كتابها الأشد خصوصية، الذي لم تنوِ نشره، تصف إيزابيل ألليندي فقدها لابنتها (بولا) التي غابت لمدة عام في غيبوبة، ثم توفيت.

قامت مؤخراً بجولة عالمية لترويج روايتها الأخيرة (ابنة السعد)، الصادرة عن دار هاربر كولينز. وفي حين تحظى ألليندي بمعجبين مخلصين في الولايات المتحدة، فإنها أكثر شهرة في بلدان مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا والدنمارك والسويد وجميع أرجاء أمريكا اللاتينية. نشأت إيزابيل في تشيلي وعاشت في فينزويلا بعد تاريخ 11 أيلول 1973، عندما أطاح انقلاب عسكري بنظام عمها، سلفادور ألليندي، رئيس تشيلي آنذاك.

تبدأ أحداث (ابنة السعد) في تشيلي في عام 1832، وتنتهي أثناء الاندفاع نحو الذهب في كاليفورنيا. تقول ألليندي: (إنها حكاية أناس جاؤوا للبحث عن الذهب وعثروا على الحرية)، وإنها تكتب رواياتها بلغتها الأصلية الإسبانية، ومن ثم تترجم كتبها إلى لغات أخرى.

أرادت أن تدرس ظروف الناس وحياتهم أثناء فترة البحث عن الذهب، لكن من وجهة نظر الملونين. بطلتها فتاة تشيلية تدعى (أليزا). تقع الفتاة في حب شاب يغرر بها فتهرب من تشيلي وهي حامل وغير متزوجة وذليلة.. تهرب إلى كاليفورنيا بمساعدة (تاوشيان)، المداوي الصيني الذي يعمل طباخاً على ظهر سفينة. تتخفى (أليزا). في هيئة رجل وتعزف على البيانو في حفلات تقام على ظهر السفينة. إلا أن الأجزاء الأكثر صراحة في الرواية تحكي تجربة مؤلمة لمراهقات جلبن من الصين كي يعملن داعرات في شانيا تاون. كانت ظروفهن غير إنسانية فقد كن يوثقن، في أغلب الأوقات، إلى أسرّتهن ويعطيَن المخدرات ويُمنعن من الأكل.

وقد لاقت الرواية ردود أفعال متناقضة. ففي حين رأت صحيفة (نيويورك تايمز) أنها من أكثر الإصدارات تميزاً وتعبيراً عن ظروف العيش في تلك الأيام، هاجمتها مؤسسات أنصار حقوق المرأة والجمعيات المتعددة الأعراق.

تقول ألليندي إنها تفتقد لأسرتها الكبيرة العدد وللغة التشيلية. تقول: (إنني أتذكرهم وأستحضرهم مع كل عبارة أو حوار في كتابي. وفي حين أنها سعيدة في زواجها، فإنها وزوجها الأمريكي لا يتقاسمان نفس الإحساس بالمرح. تقول: (إنك تفتقد الدلالات والإشارات عندما تتحدث بلغة مختلفة).

وتمثل تشيلي لها مكاناً يحفل بالذكريات الرائعة، والحزينة أيضاً، رغم أن والد إيزابيل تخلى عن أسرته عندما كانت ابنته في الثالثة من عمرها، وبقي عمها راعياً لأسرة ابن أخيه. ولم تر إيزابيل والدها مرة أخرى إلا عندما كبرت وأرسل المحقق في أسباب الوفاة وراءها عند وفاة والدها متأثراً بأزمة قلبية. وبعد أن هجرها زوجها مع أبنائها الثلاثة، عادت والدة إيزابيل إلى منزل أبيها في سانتياغو، دعت إيزابيل لتخليد روح جدها في أولى رواياتها. ثم تزوجت الأم من ديبلوماسي صحب أسرته ذات يوم إلى لبنان. وعند زواجها من أول رجل عملت إيزابيل في محطة تلفزيونية وفي مطبعة صحفية. كما عملت مدرسة. ولو لم تكن قد أجبرت على مغادرة تشيلي، فإن إيزابيل غير واثقة من أنها كانت ستصبح روائية.. إنها تعتقد إنه بإمكان أيّ إنسان أن يكتب، لكن القلائل يملكون موهبة القصّ. وبهذا الصدد فهي تقول: (تحتاج لأن يكون عندك أذن للحكايات.. إنه شيء أشبه بالموسيقا.. كل إنسان يستطيع أن يغني أنشودة عيد الميلاد، لكن الموسيقيين الحقيقيين قلائل).

تبدأ ألليندي بكتابة كل رواية جديدة في 8 كانون الثاني، نتيجة نجاح روايتها الأولى (بيت الأرواح) التي بدأت كتابتها في ذلك التاريخ. وفي أحاديثها العديدة تشير إيزابيل إلى الأحلام والمصير والعاطفة والحبّ. تستدعي كتبها عالم السحر والقدر، فمثلاً الصور التي تظهر على غلاف رواية (ابنة السعد) هي فتاة رأتها إيزابيل داخل مقهى عندما كانت تؤلف روايتها، كان وجهها شبيهاً بملامح بطلة الرواية (أليزا). من هنا طلبت إيزابيل من المرأة نشر صورتها على غلاف الرواية. أما من حيث الخطوط العريضة، أو ملخص الرواية أو جداول خاصة بالعمل، فإن إيزابيل ألليندي لا تستخدم أياً منها. إنها تجلس خلف مكتبها وعلى شمعة تحترق، تجد رغبة جارفة في كتابة فكرة خطرت لها.

نشرت إيزابيل روايتها (باولا) في عام 1995، وحتى اليوم مازالت الروائية التشيلية تتسلم رسائل الإعجاب بالرواية من قرائها. وغالباً ما تأتي الرسائل من نساء شابات أدركن فجأة أهمية جنسهن البشري، أو أنهن يتشوقن لعلاقة من نوع التي عاشتها (باولا) مع زوجها المخلص إيرنيستو. ولم يكن قد مضى على اقتران الزوجين سوى عام عندما مرضت (باولا) بمرض البورفيريا (حساسية زائدة تجاه الضوء وهو مرض وراثي). ثم أتبعت إيزابيل روايتها (باولا) براوية أخرى بعنوان (أفروديت) التي حققت هي الأخرى نجاحاً ملحوظاً.

لهذه الكاتبة التشيلية المولد، الأمريكية الإقامة والجنسية، قراء كثر خارج أمريكا. هذا ما لمسته آلين بيتروسيلي، صاحبة دار كتب في كاليفورنيا، كانت في رفقة إيزابيل في إيطاليا حيث كانت الكاتبة هناك لتلقّي جائزة تقديرية من الحكومة الإيطالية، وقد كتبت بيتروسيلي عن انطباعاتها تلك قائلة: (كان الناس يتبعونها وكأنها نجمة سينمائية).

ولا تخفي إيزابيل اهتمامها الخاص بقضايا المرأة والأقليات، وما تزعجها رؤيته مجتمعها بالقرب من سان فرانسيسكو هو - حسب قولها - مجموعة من أبناء أمريكا اللاتينية الذين لا شغل لهم سوى رعاية الأطفال وغسيل السيارات، لكن الآخرين يريدون لهم أن يختفوا مثل أشباح الليل.. إنه شكل من أشكال التمييز العنصري!

رغم كل ذلك فإن إيزابيل ألليندي تبدي تفاؤلاً ببزوغ القرن الجديد. تقول: (إنها خلال السنوات الستين من عمرها قد شهدت العالم يتحول نحو الأفضل.. وهو ما ترجو أن يحدث قريباً.

1