مقاربة انتقادية لمواقف قيادة الحزب الشيوعي

إبراهيم عمار

2005/04/15

خوفا من الانزلاق الى عوامل ذاتية في مقاربة المواقف المعلنة الراهنة من قبل قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، بما لا يخدم الهدف من كتابة هذه الملاحظات، سأحتكم في تناولي للموضوع على مبدأين اساسيين في النهج الماركسي اللينيني، وابني عليهما وجهة نظري النقدية لمواقف قيادة الحزب.
المبدأ الاول: يتعلق بضرورة واهمية التحديد الدقيق لمضمون وطبيعة مرحلة زمنية ما، وكشف العوامل الجوهرية في مسارها، وبالتالي وانطلاقا من ذلك التحليل، تعيين الحلقة الرئيسية في النضال السياسي المباشر للحزب.
المبدأ الثاني: الاحتكام الى النتائج الملموسة في التطبيق العملي، كمعيار اساسي للحكم على سلامة النظرية و/او الممارسة، وفي ضوء ذلك يصار الى تطويرها، تعديلها او الرجوع عنها.
اولا : في تحديد مضمون المرحلة الراهنة:
تتميز المرحلة الوطنية التاريخية الراهنة، بارتقاء نوعي ذي طابع وطني ديموقراطي تحرري عام، تجاوز بنية قوى المعارضة مجتمعة، وتخلص من طروحاتها وشعاراتها الفئوية، ليرتقي الى حالة شعبية جماهيرية شاملة، تطرح شعارات الاستقلال والسيادة والحرية والديموقراطية، مستظلة العلم اللبناني، ومعبرة بجرأة عن طموحات الشباب لبناء مفهوم جديد للانتماء الوطني.
ان قيادة الحزب الشيوعي لم تقع بخطيئة التخلف المتعمد عن قراءة هذا المضمون الديموقراطي بجوهره، والوطني باهدافه وشعاراته، والجماهيري الشمولي بحجمه وحسب، بل اتخذت مواقف ودافعت عن طروحات تضمنت مواقف معادية لهذه المظاهرة الوطنية!
كيف تجلى ذلك؟
اولا: قرار القيادة عدم انخراط الحزب في انتفاضة الاستقلال! بالرغم من ان الحزب كان المبادر الاول منذ سنوات لتبني الجوهري من شعارات الانتفاضة، ودفع على امتداد سنوات اثمانا باهظة لمواقفه المعلنة والمستقلة.
ثانيا: بانخراطها بالقوة الثالثة او الخيار الثالث، الذي كشفت الوقائع مدى قصوره عن القيام بالدور الذي تصدى له نتيجة عيوب بنيوية.
لقد بررت القيادة موقفها هذا بالبنية الطائفية لبعض قوى المعارضة، وبالشبهات حول مراهنة البعض من تلك القوى على الدعم الخارجي الاميركي والفرنسي.
ان الذرائع التي بنت قيادة الحزب مواقفها عليها، يمكن ان تكون واقعية وسليمة في ظروف الصراع السياسي التقليدي، اما في ظروف الانتفاضة الوطنية الشاملة، وفي مرحلة تطوير سقف الطروحات الرسمية المعلنة للمعارضة الرافضة للقرار 1559، والموافقة على اتفاقية الطائف، والمغيبة للمظاهر وللطروحات الطائفية في صفوفها، الرافعة للعلم اللبناني كرمز لتوحيدها، والتي عبرت عن تمسكها بتعزيز العلاقات اللبنانية السورية بعد الانسحاب العسكري؛ ان هذه الوقائع تشير الى تخلف تاريخي في قراءة المستجدات الوطنية. بذلك تكون قيادة الحزب الشيوعي وضعت الحزب بما يملك من رصيد شعبي، ومن تاريخ تحرري طليعي في عملية مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ومن تاريخ نضالي ديموقراطي عريق، خارج المعركة الوطنية وعلى هامشها.
ثانيا: في الاحتكام الى نتائج التطبيق العملي:
بغض النظر عن اسباب تخلف القيادة عن استيعاب جوهر اللحظة التاريخية الراهنة، وعن مسؤوليتها بعدم انخراط الحزب في صلب حركة انتفاضة الاستقلال، وبتبنيها لموقف هامشي محايد غير فعال، فإن النتائج الملموسة لتطبيقها العملي، ولممارساتها السياسية، وبخاصة بعد مرحلة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كانت كافية لتبيان مواقف الشطط، ودفعها لاعادة النظر في مواقفها. ويمكن الاشارة الى عناوين تلك النتائج والتداعيات: عزلة الحزب عن جماهيره وبخاصة قطاع الشباب، إضعاف موقع الحزب السياسي وتقليص دوره في الخارطة السياسية المقبلة، توليد توترات سياسية غير مبررة مع حلفاء الحزب التاريخيين، لا تصب مطلقا في مصلحة شروط تطور الحزب اللاحق، تناقض طروحات القيادة مع كامل تراث الحزب التاريخي ونضاله الوطني والديموقراطي.
بالاضافة الى التداعيات داخل صفوف الحزب ومنها:
1 مظاهر تمرد و/او احباط في اوسع منظمات الحزب المناطقية والقطاعية، وفي منظمات بلدان الاغتراب.
2 انخراط الشيوعيين افرادا او جماعات في انتفاضة الاستقلال، مما وسع الهوة التنظيمية القائمة ما بين القيادة والقاعدة الحزبية.
3 تفاقم مظاهر الازمة الداخلية في الحزب، المعلن منها والمستتر، وارتداداتها التي تهدد وحدته وتعرقل مسيرته.
امام هذه الحقائق كان متوقعا من قيادة الحزب الشيوعي، الارتفاع الى مستوى المسؤولية، واعادة النظر بمواقفها وطروحاتها، الخاطئة، استنادا الى النتائج السلبية التي حصدتها على كافة الصعد، كان المطلوب منها رؤية واقعية للنتائج السلبية المدمرة لتطبيقها العملي.
ولكن للاسف ولاسباب نجهلها، تمسكت تلك القيادة بمواقف اقل ما يقال فيها انها هامشية وغير مبررة موضوعيا، ومعيقة لحركة الحزب ومعيبة لتاريخه، وانزلقت الى اتخاذ قرارات ادارية تنظيمية تقضي بفصل عضو المجلس الوطني منير بركات، ذلك القرار المتخذ ب 21 صوتا من اصل 75 عضوا في المجلس الوطني، والذي يكشف مدى الخلل والتخلف اللذين يحكمان موقف القيادة ويحجبان عنها الرؤية السليمة.
هل ضاعت فرصة الحزب لاحتلال موقعه التاريخي في الحركة السياسية الديموقراطية التحررية الوطنية الشاملة؟ ام انه لم يزل قادرا على إيجاد الصيغ الضرورية والآلية الداخلية للانطلاق؟
مهما تكن التوقعات فعلى هذه القيادة المؤتمنة على مصير الحزب، الارتفاع الى مستوى المسؤولية وممارسة الانتقاد الذاتي واعادة النظر في طروحاتها ومواقفها ولمّ شمل الحزب مجددا، ووضعه في الموقع اللائق، او التخلي مشكورة عن مسؤولياتها.
() عضو سابق في المجلس الوطني للحزب الشيوعي

لعالم أكثر إنسانية

من الصحف

1