الأمير الصغيرأنطوان دى سانت إكسوبرى1ـ لما كنت في السادسة من عمري، رأيت ذات مرة صورة في كتاب عن الغابة البكر. كانت تسمى حكايات معاشه. كانت تشمل الثعبان الكبير الذي يبتلع حيوان كبير متوحش. يحكى أن الثعابين الكبيرة تبتلع فريستها كاملة دون مضغ وبعدها لا يقدروا أن يتحركوا ويناموا لمدة ستة أشهر طوال فترة الهضم. فكرت كثيرا في مغامرات الغابة وبدوري نجحت في رسم أول لوحة لي بقلم ألوان. عرضت تحفتي على الكبار وسألتهم آن كان رسمي يخيفهم ؟ فكان جوابهم: وهل قبعة تخيف ؟ لوحتي لم تكن قبعة كانت ثعبان كبير يهضم فيل. رسمت فيل داخل الثعبان حتى يمكن للرجال الكبار أن يفهموا. كانوا دائما محتاجين للشرح. الكبار نصحوني بأن أترك رسم الثعابين جانباً, وأن أعطى اهتماما اكثر للجغرافيا, للتاريخ, للحساب, للنحو. هكذا تركت مهنة الرسم وآنا فى السادسة من عمرى. كنت محبطا بسبب فشل رسمى الأول و الثانى. الكبار لا يفهمون أبداً وحدهم وهذا متعب للأطفال الذين ينبغى أن يعطوا استفسارات . كان على أن اختار مهنة أخرى فاخترت الطيران . وبذلك كان لى لقاءات مع أشخاص جادين طوال حياتى. عشت كثيرا بين الكبار. رأيتهم عن قرب ولكن هذا لم يحسن كثيرا من رأيى فيهم. عندما كنت أقابل شخصا يبدوا عليه الوضوح بعض الشئ. كنت أقوم بتجربة رسمى الاول عليه. كنت أريد أن اعرف لو كانت فعلا مفهومة ولكن كانت الاجابة دائما إنها قبعة فتكون النتيجة انى لا أكلمه عن الثعابين الكبيرة ولا الغابات البكر ولا النجوم. أكلمه فى مواضيع في نطاق فهمه. أكلمه عن البريدج, السياسة, الكرافتات. والرجل الكبير يكون سعيدا أن يجد رجل عاقل مثله . 2ـ عشت وحيداً دون أن أجد أحدا أكلمه إلى أن حدث عطل فى طائرتى وأنا فى الصحراء منذ حوالى ست سنوات . شىء انكسر فى الموتور وبما أنه لم يكن معى ميكانيكى ولامرافق كنت أحاول أن أنجح فى محاولة إصلاح صعبة. كانت بالنسبة لى مسأله حياة أو موت ، كان عندى مياه تكفينى لأشرب منها لمدة ثمانية أيام فقط. فى أول ليلة نمت على الرمال على بعد ألف ميل من الأرض المعمورة. كنت وحيداً أكثر من الغارق فى وسط المحيط. و فى مطلع النهار أيقظنى صوت وهو يقول لى: ارسم لى خروف. ـ ايه؟ ـ ارسم لى خروف. قمت فجأه كما لو انه قد اصابتنى صاعقه. دعكت عينى ونظرت جيداً. وجدت أمير برىء صغير. نظرت إليه بعيون مليئة بالتعجب والدهشه. لا تنسوا إنني كنت على بعد ألف ميل من المنطقة المسكونة. ولكن هذا الأمير الصغير لم يكن عليه أي علامات للتعب أو العطش أو الجوع أو الخوف لم تظهر عليه سوى علامات طفل صغير تائه فى الصحراء . فسألته :ماذا تفعل هنا ؟ فكان يردد ما قاله وكأ نه أمرا هاما .لو سمحت ارسم لى خروفا. عندما يكون الموقف غريبا لا يقدر الإنسان إلا أن يقول نعم. وبالرغم مما يبدو عليه الأمر من عدم المعقولية, أخرجت من جيبى ورقة وقلم وتذكرت انى درست الجغرافيا والتاريخ والرياضة والنحو وقلت للأمير انى لا اعرف كيف ارسم . فكانت اجابته : ليس مهما ارسم لى خروفا . وبما اننى لم ارسم خروفا فى حياتى. عرضت عليه واحدة من الرسمتين اللتين كنت قادرا على رسمهم, الثعبان المغلق وكنت مندهشا من رد فعل الأمير الصغير الذى قال لى: ـ لا لا لا أريد فيل فى ثعبان, الثعبان خطير جداً والفيل يسبب ازدحاما و أنا كوكبى ضيق جداً. انى احتاج إلى خروف. ارسم لى خروفاً . رسمت له خروف فنظر إليه باهتمام وقال : "لا هذا خروف مريض ارسم لى خروف آخر . فرسمت آخر, فنظر إليه وهو يضحك وقال: "أنظر جيداً انه جـِدْي لأن له قرون. فرسمت آخر ولكنه لم يعجب الأمير الصغير. وقال لى: إن هذا الخروف عجوز إنى أريد خروفاً يعيش دائماً. لقلة الصبر ولأننى كنت أريد أن أحل موتور الطيارة رسمت له لوحة وألقيتها وقلت لـه: إنها علبة والخروف الذى تريده يوجد بداخلها. ولكنى تعجبت عندما رأيت الأمير الصغير وجهه يضئ وهو يقول لى: هذا بالضبط ما أريده هل تظن أن هذا الخروف سيحتاج إلى عشب كثير. ـ لماذا تسأل؟ ـ لأن كوكبى ضيق جداً. ـ بالطبع سيكفيه لأنه خروف صغير. وهكذا كان أول تعارف على الأمير الصغير. 3ـ كان يلزمنى وقت طويل لكى أعرف من أين جاء الأمير الصغير. لقد كان الأمير يسألنى أسئلة كثيرة كثيرة ويبدو أنه كان لا يسمع اسئلتى. إنها كلمات متفرقة أخبرتنى بكل شئ بالصدفة. عندمت رأى طائرتى للمرة الأولى قال لى: ماهذا الشئ؟ ـ إنه ليس شئ إنها تطير، إنها طائرة، إنها طائرتى. كنت فخوراً وأنا أخبره إنى أستطيع الطيران. فصرخ وقال لى: ـ كيف؟ أنت وقعت من السماء؟ إن هذا لشئ مضحك. وكان للأمير الصغير ضحكة جميلة ضايقتنى كثيراً. لأنى كنت أرجو أن تؤخذ متاعبى بجدية أكثر. ثم أضاف الأمير الصغير: ـ إذن أنت أيضاً أتيت من كوكب آخر. من أى كوكب أتيت؟ فرأيت إذاً بعض الوضوح فى لغز وجوده وسألته سريعاً: ـ أنت إذاً أتيت من كوكب آخر. فلم يجبنى وهز رأسه وهو ينظر إلى الطائرة. ـ حقيقة لا يمكن أن تكون أتيت من بعيد بهذه الطائرة. ثم استغرق فى حلم استمر طويلاً ثم أخرج رسمة الخروف من جيبه واستمر يتأمل هذا الكنز كما اننى كنت متشوقاً لمعرفة الأكثر عن الكواكب الأخرى. ـ من أين أتيت أيها الأمير الصغير؟ أين هو كوكبك؟ إلى أين ستأخذ الخروف؟ فأجابنى بعد سكوت طويل. سأستعين بالعلبة التى أعطيتنى لتكون كمنزل لـه أثناء الليل. ـ بالتأكيد لو كنت لطيفاً فسأعطيك أيضاً حبلاً لكى تربطه أثناء النهار. الاقتراح يبدو أنه أدهش الأمير الصغير. ـ ربطه فكرة غريبة. ـ إنك إن لم تربطه سيذهب إلى أي مكان وسيضل. صديقى ضحك قائلاً: إلى أى مكان. الأمير الصغير أجابنى: ليس مهماً إن المكان عندى ضيق جداً. 4ـ وبذلك عرفت معلومة أخرى مهمة جداً عن الأمير وهى أن كوكبه أكبر بقليل من بيت عادى. لم يدهشنى ذلك لأننى كنت أعلم أنه بعيداً عن الكواكب الكبيرة التى لها أسماء مثل كوكب الأرض والمريخ وفينوس والمشترى توجد مئات من الكواكب الأخرى الصغيرة التى من الصعب رؤيتها بالتلسكوب. إذا اكتشفه أحد من رواد الفضاء فإنه سيعطيه رقم مثلا النجم "3251" عندى دلائل جادة تؤكد ان الامير الصغير جاء من النجم "612ب" هذا النجم ام يرى إلا مرة واحدة سنة 1909م. والذى رآه رائد فضاء تركى وقد أعطى هذا الرائد دليل اكتشافه للمؤتمر العالمى للفضاء و لكن لم يصدقه احد بسبب الرداء الذى كان يرتديه. إنها طريقة الكبار. لحسن الحظ وبسبب شهرة النجم "612ب" ديكتاتور تركى فرض على شعبه تحت تهديد الموت ارتداء الملابس الاوروبية . رائد الفضاء أعاد تقديم الدليل سنة 1920 فى ملابس غاية فى الأناقة وفى هذه المرة وافق الكل على هذا الاكتشاف. لو كنت اخبرتكم الكثير عن النجم "612ب" و أعطيتكم الرقم فإن ذلك بسبب الكبار لأنهم يحبون الأرقام. عندما يتحدث هؤلاء الرجال عن صديق لن يسألوكم أبداً عن المفيد. لن يقولوا لكم مثلا ما هى نبرة صوته؟ ما هى الألعاب التى يفضلها؟ هل يجمع الفراشات و لكن سيسألونكم عن عمره، عدد أخوته، وزنه، مرتب أبوه. بهذه الطريقة يظنون انهم عرفوه، و لو قلتم للكبار: "إنى رأيت بيتا جميلا بطوب وردى، و ونبات على النوافذ، و حمام على الاسطح لن يستطيعوا تخيل هذا المنزل. بل يجب أن تقول انى رأيت منزل ثمنه مائة ألف فرنك ففى ذلك الوقت الوقت سيصيحوا ويقولوا يا له من بيت جميل. وكذلك لو قلنا لهم إن الدليل على وجود الأمير الصغير انه كان ساحراً أنه كان يضحك. و كان يريد خروفاً. سيهزون أكتافهم وسيعاملونك كطفل. ولكن إن قلت لهم إن الأمير الصغير جاء من الكوكب رقم "612 ب" سيقتنعوا وسيتركونك هادئا بأسئلتهم. ولكن نحن الذين نفهم الحياة نسخر من الأرقام, وقد كنت أود أن أبدأ هذه القصة على طريقة قصص الجنيات. كنت أود أن أقول: كان فى مرة أمير صغير يسكن فى كوكب أكبر منه بقليل وكان محتاج إلى صديق. بالنسبة للذين يفهمون الحياة كانت ستصبح أكثر واقعية لانى لاأحب أن تؤخذ كتاباتى بسطحية. إنى أشعر بالحزن عندما أحكى هذه الذكريات منذ حوالى ست سنوات . وصديقى ذهب مع الخروف. لو حاولت فى هذا الكتاب وصفه فإن ذلك لعدم نسيانه. فإن من المحزن أن ينسى الإنسان صديقه . كل الكبار ليس عندهم أصدقاء فإنهم لايهتمون بشئ سوى الأرقام وقد اشتريت علبة ألوان وأقلام. فإنه من الصعب ممارسة الرسم فى مثل هذا السن كما اننى لم أقم إلا ببعض المحاولات للثعابين المغلقة والمفتوحة والمغلقة فى سن السادسة . سأحاول أن أرسم صور للأمير الصغير تشبهه على قدر الإمكان. ولكنى لست واثقاً تماماً من النجاح. انى أخطئ أحيانا فى الطول. أتردد فى تحديد لون ملابسه. وأخطئ فى بعض التفاصيل الهامة. ولكن يجب أن تسامحونى لأن الأمير الصغير لم يكن يعطينى استفسارات كافيه فإنه من المحتمل انه كان يعتقد إنى أشبهه ولكنى من سوء الحظ لا أستطيع أن أرى الخرفان فى العلب. إنى فى ذلك اشبه الكبار. 5ـ كل يوم كنت أكتشف شيئاً جديداً عن الكوكب الذى جاء منه الأمير الصغير. عن الرحيل. عن السفر. كل ذلك كان يأتى من الخواطر وبهذه الطريقة عرفت فى اليوم الثالث دراما "شجر الباوباب" فى هذه المرة يرجع الفضل إلى الخروف لأن الأمير الصغير سألني فجأة: هل صحيح أن الخرفان تأكل الحشائش ؟ ـ نعم. ـ إنى سعيد. لم أفهم ماأهمية أن تأكل الخرفان الحشائش، ولكن الأمير الصغير أضاف: ـ وبالتالى يأكلون أيضا نبات "الباوباب". أوضحت للامير الصغير أن " الباوباب" . ليست حشائش ولكن أشجار كبيرة وأنه لو أحضر معه قطيع من الفيلة فإنها لن تتغلب على واحدة من هذه الاشجار .فكرة قطيع الفيلة أضحكت كثيرا الأمير الصغير وقد قال: ـ إنه من الأفضل وضع الواحد فوق الآخر . وقد أضاف قائلاً: إن أشجار" الباوباب" قبل أن تكبر تبدأ صغيرة. ـ بالضبط ولكن لماذا تريد ان تأكل خرفانك أشجار"الباوباب" الصغيرة ؟ وبما أن الامر يحتاج إلى دليل وهذا يحتاج منى إلى قدر كبير من الذكاء لكى أفهم أنا هذه المشكلة .ومن الجدير بالذكر أيضا على كوكب الأمير الصغير توجد أعشاب صالحة وأعشاب ضارة وبالتالى بذور صالحة وبذور ضارة ولكن البذور غير مرئية. إنها تنام فى الأرض حتى يروق لأحدهم أن يستيقظ . وبالتالى تتثائب وتتجه بخجل نحو الشمس غض صغير برئ. وإن كان الأمر يتعلق بعود فجل أو وردة يمكن أن نتركها تنمو كما تريد ولكن إن كان الأمر يتعلق بنبات ضار يجب أن ننزعه. ويوجد أيضا على كوكب الأمير الصغير بذور خطيرة وهى بذور شجرة الباوباب التى إذا تركت فى الكوكب ولم يتم نزعها يمكن أن تغير الكوكب كله. ولو أننا تركناها لوقت متأخر دون أن نستأصلها يكون بعد ذلك من الصعب التخلص منها. فانها تزحم الكوكب كله وتثقبه بجذورها. وإذا كان الكوكب صغير وأشجار الباوباب كثيرة فإنها تجعله ينفجر انها مسألة نظام. أخبرنى مؤخرا الأمير الصغير مضيفا أنه بعدما ينتهى من واجباته الصباحية يقوم بكل عناية بواجبات الكوكب. فيلزم نفسه يوميا بنزع شجيرات الباوباب التى تختلط مع شجيرات الورود التى تشبهها كثيرا. إنه عمل يضايق النفس ولكنه سهل. فى يوم نصحنى الأمير الصغير بأن أرسم الباوباب لكى أستطيع أن أشرح ذلك لأولادى عندما أروى لهم الحكاية. فإنهم لو سافروا فى يوم من الأيام فإن ذلك سيفيدهم. ولكن إن كان الأمر يتعلق بأشجار الباوباب فإنها كارثة. وقد أضاف الامير الصغير انه كان يعرف إنسانآ كسولآ يسكن كوكب وكان قد أهمل ثلاثة شجيرات من الباوباب إنى لاأحب أبدا أن أأخذ دور ملقن الاخلاق ولكن خطر الباوباب غير معروف وانى أقول لكم : أطفالى أحذروا الباوباب . 6ـ أيها الامير الصغير إنى فهمت حياتك الصغيرة الحزينة. إنك لاتعرف التسلية إلافى مشاهدة غروب الشمس. عرفت هذه المعلومة فى اليوم الرابع صباحاً عندما قلت لى: ـ إنى أحب غروب الشمس، هيا نذهب لرؤية غروب الشمس . ـ ولكن يجب الانتظار. ـ انتظار ماذا؟ ـ انتظار غروب الشمس . كنت مندهشا جدا ثم ضحكت من نفسك وقلت لى :إنى أعتقد دائماًً إنى على كوكبى. والجدير بالذكر انه عندما يكون الظهر فى الولايات المتحدة الأمريكية الشمس تغرب فى فرنسا. يكفى أنه يمكن فى دقيقه الذهاب إلى فرنسا لحضور غروب الشمس. لسوء الحظ فرنسا بعيده جداً. ولكن إن كان على كوكبك الصغير فيكفيك أن تجر الكرسى بضع خطوات وستنظر غروب الشمس فى كل مرة تريد ذلك. ـ فى يوم رأيت غروب الشمس أربعين مرة. وبعد قليل أضفت أيها الأمير الصغير. ـ تعرف أنه عندما يكون الإنسان حزيناً فإنه يحب منظر غروب الشمس. ـ إذن فى اليوم الذى رأيت فيه غروب الشمس أربعين مرة كنت حزيناً جداً. ولكن الأمير الصغير لم يجب. 7ـ 8ـ تعلمت سريعاًًً أن أتعامل أفضل مع الوردة . كان يوجد دائماًَعلى كوكب الأمير الصغير ورود بسيطة، مزينة بصف واحد من الورق والتى لم تشغل مكاناً أو تضايق أحداً. كانت تظهر فى الصباح فى العشب وتغلق فى المساء. ولكن هذه الوردة نبتت من بذرة لا نعرف من أى مكان أتت و الأمير الصغير كان يتابع من قرب هذا الغصن الذي لم يشبه الأغصان الأخري. كان يمكن أن يكون نوع جديد من الباوباب. ولكن سرعان ما توقف الغصن عن النمو و بدأ فى تكوين وردة. والأمير الصغير الذى كان يترقبها كان يشعر بأنه سيخرج من هذا الغصن ظهور إعجازى. وكانت الوردة لا تنتهى عن الاستعداد لكى تظهر جميلة فى حجرتها الخضراء كانت تختار ألوانها بعناية و بدقة. كانت ترتدى ببطء. كانت تضبط أوراقها ورقة ورقة كانت لا تريد إن تظهر غير منظمة. كانت لا تريد أن تظهر إلا فى قمة جمالها. نعم إنها كانت مغرورة. استعدادها دام أيام وأيام. ولكن مع طلوع الشمس فى يوم من الأيام ظهرت الوردة و كانت تقول: انى مستيقظة حالاً من النوم. أسألك العفو. لأني غير مستعدة الآن. الأمير الصغير لم يستطع أن يمسك إعجابه بالوردة فقال لها: ـ كم أنت جميلة ـ أليس كذلك. أجابت الوردة. إني قد ولدت مع الشمس. الأمير الصغير استنتج أنها لم تكن متواضعة و لكنها كانت مؤثرة جداً عليه. قالت له الوردة: ـ اجلس إنه الآن موعد الإفطار. هل ستكون كريماً و تفكر فىّ و ذهب الأمير الصغير لكى يبحث عن رشاشة المياه لكى يسقى الوردة. و قد كانت تغريه كثيراً بزهورها و غرورها المثير للشك ففى يوم من الأيام ـ على سبيل المثال ـ عرضت عليه الأربعة أشواك التى كانوا فى غصنها و قالت له: يمكن أن تأتى النمور بأظافرها. ـ لا يوجد نمور على كوكبى أكد لها الأمير الصغير و قد قال ايضاً: إن النمور لا تأكل العشب. ـ أنا لست عشباً. ـ انا آسف ـ أنا لا أخشى النمور و لكن أخاف تيارات الهواء. ألا يوجد عندك "بارافان" ؟ لاحظ الامير الصغير ذلك و قال: ـ أليست تيارات الهواء تعتبر فرصة حسنة للنبات. إن هذه الوردة معقدة. ـ فى الليل ستصغى تحت الغطاء. إن الجو بارد جداً عندك، ولكن من حيث اتيت ...... و لكن الامير الصغير قاطعها. لأنها أتت فى شكل بذرة. لم تعرف اى دنيا أخرى و هى حزينة . اخذت تبحث عن كذبة جديدة بريئة عطست مرتين ثلاثة. لكى تلوم الأمير الصغير. ـ هذا "البارافان" ـ كنت ذاهب لأحضره و لكنك كنت تتكلمين معى. وعطست مرة اخرى لكى تؤنبه اكثر. و لكن الامير الصغير بالرغم من قوه إراده حبه كان يشك فيها. فقد أخذ بجدية كلمات ليست لها أهمية وأصبح حزيناً مهموماً. وقد قال لى فى يوم من الأيام كان لا يجب أن اسمع لها. إنه لا يجب أبداً سماع الورود يجب النظر إليهم فقط. لقد كانت هذه الوردة لها رائحة جميلة تفوح في الكوكب كله ولكن لم استمتع بذلك. حكاية الأشواك التى كانت ضايقتنى، كان يجب ان تجعلنى أحنو عليها. وقد قال لى الأمير أيضاً: ـ أنا لم افهم جيداً الموقف كان يجب أن أحكم على أعمالها وليس كلماتها كانت رائحتها الجميلة تملأ الكوكب و تنيره. كان لا يجب ابداً أن أهرب. كان يجب أن افهم حنانها الذى يكمن خلف مكرها. ان الورود دائماً متناقضة. و لكنى كنت صغيراً جداً. لكي اعرف كيف احبها. 9ـ يبدو لي أن الأمير الصغير هرب مع الطيور الجارحة المهاجرة. ففى صباح يوم الرحيل رتب كوكبه، ونظف بعناية البراكين الثائرة. لأنه كان يمتلك بركانين ثائرين و كان يستخدمهم فى تحضير افطاره. و كان يمتلك ايضاً بركاناً خامداً ولكنه كان يقول: نحن لا نعرف ابداً متى يثور البركان! ونظف أيضاً البركان الخامد. عندما تكون البراكين نظيفة فإنها تحترق بهدوء دون ثورات إن الثورات البركانية عند الأمير الصغير على كوكبه مثل نيران المدفأة. الأمير الصغير بقليل من الحزن نزع أحد أشجار "البوباب" كان يعتقد أنها لا يجب أن تعود ابداً. وروى للمرة الاخيرة الوردة واستعد لوضعها تحت الغطاء الزجاجى ووجد فى نفسه الرغبة فى البكاء. وقال الأمير الصغير للوردة : الوداع. وكرر مرة أخرى: الوداع. فعطست الوردة ولكنه لم يكن بسبب الزكام. فقال لها الأمير الصغير: انى كنت أحمق عندما سألتك السماح وأن تكونى سعيدة. ولقد كان مندهشاً من غياب الملاحظات وجلس قلقاً. وبيده الغطاء ولم يفهم هذه الرقة الهادئة فأجابته الوردة: ـ انى أحبك وأنك لم تعرف ذلك بسبب حماقتى. ولكن هذا ليس له أهمية. ولكنك كنت أكثر حماقة منى. فحاول أن تكون سعيداً واترك هذا الغطاء جانباً إني لا أريده . الأمير: ولكن تيارات الهواء. الوردة: ولكنى لاأشعر بالبرودة . هواء الليل المنعش سيكون نافعاً لى .فاننى وردة . الأمير: ولكن الحشرات . الوردة: يجب على أن أتحمل أثنين أو ثلاثة من دود القز لو كنت أريد أن أعرف الفراشات. يبدو لى أنها جميلة جداً. ان لم يكن هؤلاء سيزورونى فمن سيزورنى فإنك ستكون بعيداً. اما بالنسبة للحشرات الكبيرة فلا تخف فان لدى اشواك، وعرضت ببراءة اشواكها الاربعة وأضافت قائلة : لاتتلكع قإنك قررت الرحيل . فهيا أسرع. انها قالت ذلك لانها لم تكن تريد ان يراها الامير الصغير تبكى لانها كانت وردة مغرورة . 10ـ الامير الصغير كان فى منطقة النجوم 325ـ326ـ327ـ328ـ329ـ330 بدأ فى زيارتهم لكى يبحث عما يشغله ولكى يستفيد. أول كوكب زاره كان يسكنه ملك. كان يسكنه ملك. كان يحكم وهو يرتدى فرو ثمين أحمر على عرش بسيط جداً ولكنه فاخر. صاح الملك لما رأى الامير الصغير: وجدت موضوع . الامير الصغير تسائل فى نفسه: كيف عرفنى وأنا لم آراه من قبل ؟ الامير الصغير لايعرف انه بالنسبة للملوك ان الامور تبدو غاية فى البساطة. فانهم يعتبرون الناس كلهم مواضيع. فقال له الملك: اقترب اكثر لكى اراك أكثر، وكان الملك فخوراً أنه أصبح أخيراً ملك على أحد. الأمير الصغير كان يبحث عن مكان يجلس فيه ولكن الكوكب كان مزدحماً برداء الملك الفرو. فبقى الأمير واقفاً كما أنه كان متعباً فتثائب. فقال له الملك: "إنه مخالف للأصول أن يتثائب الإنسان فى حضور الملك، وأنا أمنعك". أجابه الأمير الصغير: إنى لا أقدر أن أمنع نفسى لأنى قمت برحلة طويلة ولم أنم. الملك: إذاً أنا آمرك أن تتثائب. فلم أرى منذ سنوات أحد يتثائب التثاؤب عندى حب استطلاع. إذن تثائب مرة أخرى هذا أمر. أحمر وجه الأمير خجلاً وقال: إن هذا يخجلنى لا أقدر. فأمر الملك الأمير الصغير مرة أخرى أن يتثائب لأن الملك كان يحرص أن تكون سلطته محترمة. وكان لا يغفر عدم الطاعة. كان ملك؛ سلطته مطلقة وكما أنه كان رجلاً صالحاً كذلك كان يعطى أوامر معقولة. فقد كان يقول: إنى لو أعطيت أمر لقائد الجيش أن يصير عصفوراً ولم يطع أمرى فإنها لن تكون غلطة القائد بل ستكون خطأى أنا. الأمير: هل يمكن أن أجلس. الملك: إنى آمرك أن تجلس. وقام بتحريك جزء من ثوب الفرو. ولكن ألمير الصغير تعجب من أن الكوكب صغير جداً وقال فى نفسه: "على أى شئ يمكن أن يحكم الملك؟" الأمير الصغير: سيدى هل تسمح أن أسألك سئوال؟ الملك: إنى آمرك أن تسألنى. الأمير: على أى شئ تحكم؟ الملك: على كل شئ وأشار على كل النجوم والكواكب. الأمير: كل هذا! الملك: نعم كل هذا. الأمير: والنجوم تطيعك. الملك: بالتأكيد إنها تطيع؛ إنى لا أسامح عدم الالتزام. قدرة كهذه أدهشت الأمير الصغير. لو كان هو أيضاً يملكها. كان يمكن أن يحضر ليس فقط 44 بل 72 أو 100 أو 200 منظر غروب الشمس فى اليوم الواحد. وكما أنه كان حزين بسبب ذكرى الكوكب الذى تركه طلب من الملك الأمير: :أريد أن أرى غروب الشمس أؤمر الشمس أن تغرب. الملك: لو أمرت قائد الجيش أن يطير من وردة إلى وردة كالفراشة، أو أن يكتب تراجيديا، أو يتغير إلى عصفور، ولم ينفذ أوامرى من منا يكون مخطئاً فى رأيك؟ الأمير: أنت. الملك: بالضبط.. يجب أن يُطلب من كل إنسان ما يمكن أن ينفذه. إن السلطة تقوم على العقل ولو طلبت من الشعب أن يلقى بنفسه فى البحر سيقوم الشعب بثورة. من حقى أن أبغى الطاعة طالما كانت أوامرى معقولة. الأمير: إذن غروب الشمس.. الملك: غروب الشمس ستراه. سآمره ولكن يجب الانتظار حتى تكون الظروف مناسبة. الأمير: متى ستكون الظروف مناسبة؟ الملك: ستكون فى حوالى السابعة وأربعون دقيقة، وسترى كيف ستنفذ أوامرى. تثائب الأمير الصغير وندم على منظر غروب الشمس الذى لم يراه، وتضايق قليلاً. ـ إنى لا أجد شيئاً أفعله هنا. إنى سأرحل. الملك: لا ترحل سأجعلك وزيراً. الأمير: وزير لأى شئ. الملك: للعدل. الأمير: ولكن لا يوجد أحد أحكمه. الملك: ستحكم أنت نفسك فإنه من الصعب أن يحكم الإنسان نفسه من أن يحكم الآخرين. لو نجحت فعلاً فى حكم نفسك ستكون حكيماً. الأمير: إنى يمكن أن أحكم نفسى فى أى مكان ولست محتاجاً أن أسكن هنا. الملك: أعتقد أنه يوجد على هذا الكوكب فأر عجوز. اسمعه أثناء الليل فإنه من الممكن أن تحكم هذا الفأر. وستحكم عليه بالموت من وقت لآخر، فحياته ستكون مرتبطة بعدلك لكنك ستسامحه فى كل مرة لكى تحتفظ بـه لأنه لا يوجد غيره. الأمير: إنى لا أحب أن أحكم بالموت على أحد. إنى سأرحل. الملك: لا. الأمير كان قد أعد مستلزماته ولم يكن يريد أن يُحزن الملك فقال لـه: لو كنت تريد أن تكون مطاع فيجب أن تصدر لى أمر بالرحيل. لم يجبه بشئ الملك. تردد الأمير قليلاً ثم رحل. الملك: سأجعلك سفيراً. 11ـ الكوكب الثانى كان يسكنه إنسان معجب بنفسه أو متباه. المتباهى لما رأى الأمير قال له: يالك من مُعجبْ. لأنه بالنسبة للمتباهين الأشخاص الآخرين ما هم إلا معجبين. الأمير: صباح الخير يالها من قبعة غريبة ترتديها. المتباهى: هذه القبعة لأحيى بها المهجبين عندما يمتدحوننى ولكن للأسف لا أحد يمر هنا. الأمير: فعلاً. المتباهى: صفق بيديك. الأمير صفق بيديه والمتباهى رفع القبعة. الأمير الصغير قال فى نفسه إن هذه الزيارة أكثر طرافة من زيارة الملك. صفق الأمير مرة أخرى والمتباهى رفع القبعة مرة أخرى لكى يحيه. بعد خمس دقائق تعب الأمير من تكرار اللعبة. الأمير: ولكى تقع القبعة ماذا ينبغى أن أعمل. ولكن المتباهى لم يسمع لأن المتباهين لا يسمعون إلا الممديح. ا لمتباهى: هل أنت معجب بى فعلاً. الأمير: ماذا يعنى الفعل "يعجب"؟ المتباهى: يعجب يعنى الاعتراف إنى الرج ل الأجمل، الأحسن لباساً والأكثر غنى، والأكثر ذكاءً على هذا الكوكب. الأمير: ولكنك على الكوكب لوحدك! المتباهى: نفذ لى هذه الرغبة وأُعجب بى. الأمير: إنى معجب بك ولكن هل هذه الجملة تهمك فى شئ؟ 12ـ الكوكب الثالث كان يسكنه سكير. هذه الزيارة كانت قصيرة جداً ولكنها تركت حزن عميق فى نفس الأمير الصغير. الأمير: ماذا تفعل هنا؟ وقد وجد الأمير الصغير السكير يجلس فى هدوء وأمامه مجموعة من الزجاجات الفارغة ومجموعة من الزجاجات الممتلئة. السكير: إنى أشرب. الأمير: لماذا تشرب؟ السكير: لكى أنسى. الأمير: ماذا تريد أن تنسى؟ السكير: أنسى الشعور بالخزى. الأمير: الخزى من ماذا؟ السكير: الخزى من انى أشرب. 13ـ الكوكب الرابع كان يسكنه رجل أعمال. هذا الرجل كان مشغولاً جداً، حتى انه لم يرفع رأسه عند مجئ الأمير الصغير. الأمير: صباح الخير إن السيجارة مطفئة. ـ: 3 +2 = 5 ، 5+7= 12، 12+3= 15، صباح الخير 15+7=22، 22+6=28 لا يوجد وقت لكى أشعل السيجارة. 26+5=31 إذن العدد الكلى 500 مليون. ـ 500مليون أيه؟ ـ أنت مازلت هنا! ـ 500مليون أيه؟ ـ لا أعرف؛ إنى مشغول جداً 5+2=7 ـ 500مليون أيه؟ كرر الأمير السئوال الذى لا يتنازل أبداً عن إجابة سئوال يسأله. رفع رجل الأعمال رأسه وقال: ـ منذ أربعة وخمسون سنة وأنا أسكن هذا الكوكب لم يزعجنى أحد سوى ثلاث مرات. المرة الأولى منذ حوالى 22 سنة، بسبب خنفساء لا أعرف من أين جاءت وقد كانت تصدر صوت غريب، وتسببت لى فى أخطاء فى الجمع. المرة الثانية منذ حوالى 11 سنة كانت بسبب أزمة روماتيزم لأنى لا أمارس الرياضة ليس عندى وقت للمشى. والمرة الثالثة ها هى. كنت أقول 500مليون وواحد. ـ من أيه؟. رجل الأعمال فهم أنه لا مفر من الإجابة على السئوال وقال: ـ ملايين من الأشياء الصغيرة التى تراها فى السماء. ـ الذباب. ـ لا، الأشياء الصغيرة التى تلمع. ـ تقصد النجوم. ـ آه، اسمها نجوم. ـ وماذا تفعل ب 500مليون نجم. ـ ما الذى أفعله؟ ـ نعم. ـ لا شئ؛ إنى أمتلكهم. ـ تمتلك النجوم؟ ـ نعم. ـ ولكنى رأيت ملكاً يقول إنه يمتلكهم أيضاً. ـ الملوك لا يملكون. إنهم يحكمون فقـط. ـ ماذا يفيد امتلاك النجوم؟ ـ يفيدنى أن أصبح غنياً. ـ وماذا يفيدك أن تصبح غنياً؟ ـ يفيدنى فى شراء نجوم أخرى. ـ كيف يمكنك امتلاك النجوم؟ ـ أجاب رجل الأعمال: من يمتلك النجوم؟ ـ لا أعلم.. لا أحد. ـ إذن إنى امتلكهم لأنى أول من فكر فى امتلاكهم. ـ هل هذا يكفى؟ ـ بالتأكيد. فحينما تجد جوهرة لا يمتلكها أحد، فهى إذن جوهرتك. وحينما تفكر فى فكرة أولاً فهى فكرتك. وطالما أن أحداً لم يفكر فى امتلاك النجوم قبلى إذن فهى ملكى. الأمير: هذا صحيح ولكن ماذا تفعل بهم؟ ـ إنى أعدهم ثم أعدهم هذا أمر صعب ولكن، أنا رجل جاد. الأمير الصغير لم يكن راضياً بذلك. ـ أنا أمتلك "كوفيه" يمكن أن أضعها حول رقبتى. وأمتلك وردة يمكن أن أقطفها فى أى وقت. لكنك لا تقدر أن تقطف النجوم. ـ لا؛ ولكن يمكن أن أضعهم فى البنك! ـ ماذا يعنى البنك؟ ـ يعنى أن أكتب على "ورقة" إنى أمتلك هذا العدد من النجوم وأضعها فى الدرج وأغلقه بالمفتاح. ـ وهذا كل شئ؟ ـ هذا يكفى. الأمير الصغير كانت لديه أفكار عن الأشياء تختلف عن أفكار الرجال الكبار. الأمير: إنى أمتلك وردة أرويها كل يوم وأمتلك ثلاث براكين أنظفها كل أسبوع؛ وأنظف أيضاً البركان الخامل لأننا لا نعرف متى يثور. إنى أفعل شيئاً مفيداً للبراكين وأيضاً مفيداً للوردة. ولكنك لا تفيد النجوم. 14ـ الكوكب الخامس كان غريباً جداً. كان أصغر جميع الكواكب. كان المكان يكفى فقط لعمود نور ورجل لإنارة هذا العمود. الأمير لم يستطع أن يفهم أهمية هذا العمود فى السماء على كوكب لا يوجد به منزل أو أشخاص على الرغم من ذلك قال فى نفسه يمكن أن يكون هذا الرجل أقل غرابة من الملك أو من المتباهى أو من من رجل الأعمال أو من السكير. عندما يضئ عمود النور فكأنه يضئ نجمة. وعندما يطفئ النور يطفئ هذه النجمة. إن هذا عمل جميل. فإنه فعلاً مفيد بما إنه جميل. لما وصل وصل الأمير للكوكب حيا باحترام الرجل الذى يضئ العمود. ـ صباح الخير لماذا أطفأت العمود. ـ صباح الخير أجاب الرجل. هذه هى التعليمات. ـ ماهى التعليمات. ـ هى أن أطفئ عمود النور. ـ لا أفهم. أجاب الأمير الصغير. ـ لا يوجد شئ للفهم التعليمات هى التعليمات. صباح الخير وأطفأ النور. ثم مسح الرجل جبهته بمنديل وقال: إنى أمارس مهنة شاقة جداً كانت هذه المهنة من قبل معقولة، لأنى كنت أطفئ العمود فى الصباح وأضيئه فى المساء، وكان عندى بقية النهار للراحة والليل للنوم. ـ ولكن هذه التعليمات تغيرت فى هذا العصر؟ الرجل: التعليمات لم تتغير ولكن الكوكب يدور من سنة إلى أخرى أسرع فأسرع ولكن التعليمات لم تتغير. ـ إذاً ماذا حدث. ـ إن الكوكب الآن يدور دورة واحدة فى الدقيقة ولا يوجد عندى ثانية للراحة. إنى أضئ وأغلق النور مرة فى الدقيقة. ـ هذا غريب الأيام عندك تدوم لدقيقة. الرجل ـ هذا ليس غريب أبداً فنحن الآن تكلمنا لمدة شهر. ـ شهر. ـ نعم ثلاثون دقيقة. مساء الخير. واضاء المصباح مرة أخرى. وكان الأمير الصغير ينظر لهذا الرجل وقد أحبه لأنه كان مخلصاً للتعليمات، وكان يريد أن يساعده فقال لـه: أنت تعلم عندى طريقة للراحة عندما تريد. ـ إنى أريدها دائماً لأنه من الممكن أن يصبح الإنسان مخلصاً وكسولاً فى نفس الوقت. ـ الأمير أسرع وقال: إن كوكبك صغير جداً. ممكن أن تمشيه فى ثلاث خطوات. ولا عليك إلا أن تمشى بطيئاً لكى تكون دائماً فى الشمس عندما تريد أن تستريح. الرجل: هذا لن يفيد كثيراً والذى أحبه فى الحياة هو النوم. الأمير: لا يوجد فرصة. الرجل: لا يوجد فرصة. صباح الخير وأطفأ المصباح. الأمير: إن هذا الرجل سيكون ممقوتاً من الآخرين. المتباهى، السكير، رجل الأعمال، رغم ذلك فهو الوحيد الذى لا يبدو عليه الرجعية يمكن لأنه يشغل نفسه بشئ آخر غير ذاته. هذا هو الوحيد الذى يمكن أن يكون صديقاً لى ولكن الكوكب الذى يعيش عليه صغيراً جداً. لا يوجد به مكاناً لاثنين. 15ـ الكوكب السادس كان كبير جداً كان يسكنه رجل عجوز كان يكتب كتابة هائلة، ولما رأى الأمير الصغير قال له: إنك لابد أن تكون مكتشف. جلس الأمير الصغير على المنضدة وأخذ نفس طويلاً لأنه قد قام برحلة طويلة. الرجل العجوز: من أين أنت؟ الأمير: ما هذا الكتاب الكبير وماذا تفعل هنا. ـ إنى عالم جغرافيا. ـ وما هو عالم الجغرافيا؟ ـ عالم يعلم أين توجد البحار والأنهار والمدن والجبال والصحارى. ـ هذا شئ مسلى جداً. ـ هذه فعلاً مهنة حقيقية. وأخذ يتفرج ـ الأمير الصغير ـ على كواكب العالم ولكنه لم يكن قد رأى من قبل كوكباً بمثل هذه العظمة. الأمير: إنه جميل فعلاً هذا الكوكب. فهل يوجد به محيطات. الجغرافى: لا أستطيع أن أعلم. ـ هل توجد به جبال. ـ لا أعلم. ـ والمدن والأنهار والصحارى. ـ لا أعلم. ـ ولكنك جغرافى. ـ هذا صحيح. ولكنى لست بمكتشف. إنه ينقصنى بالفعل المكتشف. ليس عالم الجغرافيا هو الذى يقوم بإحصاء المدن والأنهار والبحار والمحيطات والصحارى. إن الجغرافى مهم للغاية حتى انه لايترك مكتبه ليتمشى ويقوم بمثل هذه المهمة. ولكنه يستقبل المستكشفين ويسألهم ويدون مذكراتهم وإذا كانت إحدى هذه المذكرات تبدو مهمة للعالم فإنه يقوم بعمل بحث أولاً عن شخصية المكتشف. ـ ولماذا هذا البحث؟ ـ لأنه لو أن مكتشف كذب سيتسبب فى وجود مصائب فى كتب الجغرافيا وأيضاً خاصة لو كان هذا المكتشف يشرب كثيراً. ـ لماذا هذا؟ ـ لأن الذين يشربون كثيراً يرون الأشياء اثنين. فإن عالم الجغرافيا سيدون جبلين فى المكان الذى لا يوجد فيه إلا جبل واحد. الأمير: إنى أعلم شخصاً لو أصبح مكتشف سيكون سيئاً جداً. الجغرافى: وعندما تبدو شخصية المكتشف سوية من خلال الأبحاث التى نقوم بها على شخصيته فإننا نقوم بعمل بحث عن الاكتشاف. الأمير: إذن تذهبوا معه إلى مكان الأكتشاف. سكت الجغرافى قليلاً وسأل الأمير الصغير: هل أتيت من بعيد؟ هل أنت مكتشف؟ هل ستصف لى كوكبك؟ قام الجغرافى بفتح دفتر السجل وقام ببرى القلم الرصاص لأن التقارير تكتب أولاً بالرصاص. ولا تكتب بالحبر إلا عندما يُحضر المكتشفون الأدلة. الجغرافى: إذن. الأمير: كوكبى صغير جداً. عندى ثلاث براكين. بركانين نشيطين وبركان خامد، ولكنك لا تعلم أبداً متى يثور. العالم: لا نعلم أبداً متى؟ ـ وعندى أيضاً وردة. ـ نحن لا ندون الورود. ـ لماذا إن الورود أجمل شئ!! ـ لأن الورود زائلة فهى لا تدوم. ـ ماذا تعنى كلمة زائلة؟ الجغرافى: كتب الجغرافيا؛ كتب أكثر أهمية من أى كتب أخرى. لأن مواضع هذه الكتب لا تضيع. فإنه من النادر أن يغير الجبل مكانه؛ أو من النادر أن يخلو محيط من الماء. نحن نكتب أشياء أبدية. ـ ماذا تعنى كلمة زائلة؟ قالها الأمير الذى لا يتنازل أبداً عن إجابة سئوال يسأله. الجغرافى: زائلة تعنى مهددة بالاختفاء فى المستقبل. ـ وردتى مهددة بالاختفاء فى المستقبل. ـ بالتأكيد. ـ وردتى زائلة وليس لها سوى أربعة أشواك للدفاع عن نفسها. وإنى تركتها وحيدة. وهنا كان أول شعور بالندم يشعر به الأمير الصغير. الأمير: أى مكان تنصحنى بزيارته؟ الجغرافى: كوكب الأرض له شهرة جيدة. وذهب الأمير وهو يفكر فى الوردة. 16ـ الكوكب السابع كان هو كوكب الأرض . إن كوكب الأرض ليس كأى كوكب آخر، فهو يوجد به حوالى 111ملك مع ذكر الملوك السود أيضاً؛ 7000جغرافى؛ 300ألف رجل أعمال وسبعة ونصف مليون سكير؛ 311مليون متباهى. يعنى حوالى 2مليار من الرجال الكبار. لكى أعطى فكره عن كوكب الأرض وحجمه سأقول انه قبل اختراع الكهرباء كان يجب تهيئة حوالى اربعمائة واثنين وستين ألف وخمسمائة واحدى عشر من الرجال لإضاءة المصابيح لحوالى ست قارات. المنظر من بعيد كان جميل جداً. حركة هؤلاء الرجال مثل حركات باليه الأوبرا. الأول كان دور رجال نيوزلندا واستراليا الذين بعدما أضاؤا مصابيحهم ذهبوا ليناموا ثم تبعهم فى هذه الرقصة رجال الصين وسيبريا وهؤلاء أيضاً أسرعوا إلى الكواليس. ثم جاء دور رجال روسيا والهند؛ ثم أفريقيا وأوروبا ثم أمريكا الجنوبية ثم أمريكا الشمالية. وأبداً لم يخطئوا فى دورهم للدخول إلى المسرح. إن الرجل الذى يضئ المصباح فى القطب الشمالى وصديقه الذى يضئ يضئ القطب الجنوبى هم الوحيدون اللذين يعيشون حياة بطالة وعدم اهتمام وهم يعملون مرتين فى السنة. 17ـ عندما تريد أحياناً أن تمرح فإنك تكذب. إنى لم أكن أميناً معكم عندما كلمتكم عن الرجال الذين يضيئون المصابيح. أوشكت أن أعطى فكرة خاطئة عن كوكب الأرض الذى نعيش عليه للذين لا يعرفونه. إن الناس لا يشغلون حيزاً كبيراً على الأرض. لو أن الاثنين مليار نسمة وقفوا وانضموا كما لو أنهم فى مقابلة فإنهم سيشغلوا جزيرة صغيرة على المحيط. الرجال الكبار لن يصدقوكم بالتأكيد. لأنهم يعتقدون أنهم يشغلون مكاناً كبيراً. فإنهم يعتقدون أنهم فى غاية الأهمية مثل شجر "الباوباب" ستنصحونهم بعمل الحساب لأنهم يعشقون الأرقام. ولكن لا تتعبوا أنتم بهذه الحسبة لأنكم تثقون فى كلامى. الأمير الصغير كان مندهشاً جداً على كوكب الأرض لأنه لم يرى أحد. كان خائفاً من أن يكون قد أخطأ فى الكوكب. وفجأة رأى حلقة تتحرك فى الرمال. الأمير: مساء الخير. الثعبان: مساء الخير. الأمير: على أى كوكب نحن. الثعبان: على كوكب الأرض فى أفريقيا. الأمير: ألا يوجد أحد على الأرض؟ الثعبان: إن الأرض كبيرة. ولكن هنا فى الصحراء لا يوجد أحد. جلس الأمير الصغير على حجر ورفع عينيه نحو السماء. ـ إن النجوم مضيئة دائماً حتى يستطيع كل واحد أن يتعرف على نجمه. أنطر كوكبى فإنه فوقنا مباشرة. ولكن كم هو بعيد. الثعبان: إنه جميل ولكن لماذا أتيت إلى هنا؟ الأمير: عندى مشاكل مع "وردة" ولكن أين الناس؟ إن الإنسان يكون وحيداً فى الصحراء. الثعبان: إن الإنسان يكون وحيداً أيضاً عندما يكون فى وسط الناس. الأمير: إنك حيوان غريب؛ رفيع مثل الأصبع. الثعبان: ولكن أكثر قدرة من اصبع الملك. ضحك الأمير الصغير قائلاً: إنك لا تستطيع السفر لأنك لا تملك أرجل. الثعبان: يمكننى أن أحملك أسرع من الغواصة. قال هذا والتف حول قدم الأمير الصغير وقال له: إن الإنسان الذى ألمسه ارجعه إلى الأرض التى جاء منها. ولكن أنت برئ لأنك أتيت من كوكب آخر. لم يجب الأمير الصغير بشئ. الثعبان: إنى أشفق عليك أيها الضعيف على هذه الأرض. إنى يمكن أن أساعدك فى يوم ما إذا أردت أن تعود إلى الكوكب الذى أتيت منه. إنى أقدر أن... الأمير: إنى فهمت جيداً. ولكن لماذا تتكلم بالألغاز؟ الثعبان: إنى أحلها كلها. 18ـ عبر الأمير الصغير الصحراء. لم يقابل سوى وردة. وردة بثلاث ورقات. الأمير: صباح الخير. الوردة: صباح الخير. الأمير: أين الناس. الوردة رأت فى يوم من الأيام قافلة. فقالت: ـ الناس؟! أعتقد أنه يوجد من ست إلى سبع أشخاص وقد رأيتهم منذ سنوات. ولكننا لا نعلم أين نجدهم فإن الرياح تحملهم والذى يضايق أنهم ليسوا لهم جذور. الأمير: وداعاً. الوردة: وداعاً. 19ـ صعد الأمير الصغير على جبل عالى. لأن الجبال الوحيدة التى عرفها كانت هى الثلاث براكين التى كانت قمتها عند ركبتيه. وكان يتخدم البركان الخامد ككرسى يجلس عليه. قال الأمير الصغير من هذا الجبل العالى يمكن أن أرى كل الكواكب وكل الناس. الأمير الصغير ـ بالصدفة قال ـ صباح الخير. أجابه الصدى: صباح الخير ـ صباح الخير ـ صباح الخير. الأمير: من أنت؟ الصدى: من أنت؟ ـ من أنت؟ ـ من أنت؟ الأمير: تقبلوا أن تكونوا أصدقائى إنى وحيد. الصدى: إنى وحيد ـ إنى وحيد ـ إنى وحيد. الأمير: هذا الكوكب العجيب. إنه كوكب جاف وحار والناس ينقصهم الخيال. إنهم يرددون ما نقوله لهم. ولكن على كوكبى توجد وردة تتكلم؛ تتكلم دائماً أولاً. 20ـ مشى الأمير الصغير طويلاً خلال الرمال والصخور والثلوج واكتشف فى النهاية طريق وكل الطرق تؤدى إلى الناس. وقد وصل إلى حديقة مليئة بالزهور. الأمير: صباح الخير. الورود: صباح الخير. الأمير أخذ يتأملهن وكانت جميعهن تشبهن وردته. قال الأمير: من أنتن؟ صاحت: نحن الورود. كان الأمير يشعر بالحزن لأن الوردة كانت قد أخبرته بأنها الوحيدة من نوعها فى هذا الكون وها هو يجد 5000وردة تشبهها فى حديقة واحدة. وكان الأمير الصغير مندهشاً جداً وقال آه لو عرفت وردتى لحزنت حزناً شديداً وستمثل أنها تموت لكى تتهرب؛ وسأكون مضطراً أن أبدو أمام وردتى وكأنى أعالجها لأننى إن لم أفعل ذلك ستموت فعلاً لكى تعاقبنى. وقال أيضاً كنت أعتقد إنني غني لأنى أمتلك وردة فريدة، واكتشفت إنى لا أمتلك سوى وردة عادية. وأكتلك أيضاً ثلاث براكين قممها عند ركبتى إحداهما خامد إلى الأبد. وهذا لا يجعل منى أمير خطير. وجلس الأمير الصغير يبكى. 21ـ ظهر الثعلب الثعلب: صباح الخير. الأمير: صباح الخير. ولكنه لم ير شيئاً. الثعلب: إنى هنا تحت شجرة التفاح. الأمير: من أنت؟ أنت جميل جداً. الثعلب: إنى ثعلب. الأمير: تعالى ألعب معى لأنى حزين جداً. الثعلب: إنى لا أقدر أن ألعب معك لأنى لست مستأنساً. الأمير: آنا آسف. ولكن بعد تفكير أضاف قائلاً: ماذا تعنى كلمة "استأنس"؟ الثعلب: إنت لست من هنا. فعما تبحث. الأمير: إنى أبحث عن الناس. ماذا تعنى كلمة "استأنس"؟ الثعلب:الناس عندهم بنادق ويصطادون بها وهذا يضايق. وإنهم أيضاً يربون الدجاج إنه عملهم الوحيد. هل تبحث عن الدجاج؟ الأمير: إنى لا أبحث عن الدجاج. ماذا تعنى كلمة "استأنس"؟ الثعلب: إن هذه الكلمة منسية وهى كلمة تعنى "صنع روابط" فأنت بالنسبة لى ولد مثل باقى الأولاد؛ وأنا لست محتاجاً إليك. وأنا بالنسبة لك لست إلا ثعلباً شبيه بملايين الثعالب. ولكنك؛ لو استأنستنى سنصبح محتاجين بعضنا لبعض، وستصبح بالنسبة لى فريداً فى هذا العالم وسنصبح محتاجين لبعضنا البعض؛ وستصبح بالنسبة لى فريداً فى هذا العالم وسأصبح هكذا أيضاً بالنسبة لك. الأمير: لقد بدات أفهم. يوجد وردة أعتقد انها استأنستنى. الثعلب: إنه ممكن. نحن نرى على الأرض كل شئ. الأمير: إنه ليس على الأرض. اندهش الثعلب وقال: على كوكب آخر. الأمير: نعم. الثعلب: هل يوجد صيادون على هذا الكوكب؟ الأمير: لا. الثعلب: هذا جميل. وهل يوجد دجاج؟ الأمير: لا. الثعلب: هذا أمر يؤسف لـه. لا يوجد شئ كامل. الثعلب: إن حياتى مملة. إنى أصطاد الدجاج والصيادون يصطادوننى. كل الدجاج متشابه. وكل الناس متشابهين. إنى اشعر بالملل. ولكن إذا استأنستنى حياتى ستصبح مشمة. سأعرف خطوك الذى يختلف عن باقى الخطوات. الخطوات تجعلنى اختبأ تحت الأرض. ولكن خطواتك أنت ستصبح مثل الموسيقى التى تنادينى لكى أخرج من الجحر. أنظر هناك هل ترى حقول القمح؟ إنى لا آكل الخبز. القمح بالنسبة لى غير مفيد. حقول القمح لا تذكرنى بشئ. وهذا محزن. لكنك تمتلك شعر لون الذهب. وإنه من الجميل عندما تستأنسنى فالقمح ذو اللون الذهبى سيجعلنى أتذكرك. الثعلب نظر طويلاً للأمير الصغير وقال له: لو محت استأنسنى. الأمير: إنى أريد ذلك. ولكن ليس عندى وقت. عندى أصحاب أريد أن أكتشفهم. يوجد أشياء كثيرة أريد أن أعرفها. الثعلب: لا يعلم الإنسان إلا ما استأنس. الناس ليس عندهم وقت للتعارف. إنهم يشترون الأشياء الجاهزة من عند الباعة. وما من باعة يبيعون "أصدقاء" لذا فالناس ليس عندهم أصدقاء لو كنت تريد صديق فاستأنسنى. الأمير: مالذى يجب علىَّ أن أفعله؟ الثعلب: إنه لابد أن يكون الإنسان صبوراً. انك ستجلس أولاً بعيداً عنى فى العشب. وسأنظر لك من بعيد. لن نقول شيئاً. فالكلام مصدر لسوء الفهم؛ ولكن كل يوم يمكن أن نقترب قليلاً. فى اليوم التالى جاء الأمير الصغير. الثعلب: إنه من الأفضل أن تأتى كل يوم فى نفس الميعاد. لأنه لو أتيت مثلاً فى الساعة الرابعة فمنذ الساعة الثالثة سوف أكون سعيداً. وكلما اقتربت الساعة سأكون أكثر سعادة. فى الرابعة سأضطرب وأقلق وسأكتشف ثمن السعدة. ولكن إذا أتيت فى أى وقت لن أعرف فى أى وقت أجعل قلبى يستعد. فيجب أن يكون هناك طقوس. الأمير: وما هى الطقوس. الثعلب: إنه شئ قد نساه الناس. إنه الذى يجعل اليوم يختلف عن أى يوم آخر. والساعة تختلف عن أى ساعة أخرى. يوجد ـ مثلاً ـ عند الصيادين طقس يوم الخميس. إنهم يرقصون. إذن يوم الخميس بالنسبة لهم يوم جميل. وأنا فى هذا اليوم أذهب للنزهة. ولو أن الصيادين يصيدون فى أى يوم؛ فجميع الأيام ستتشابه ولن يصبح عندى يوم إجازة. واستأنس الأمير الصغير الثعلب. ولما اقترب موعد الرحيل. قال الثعلب: إنى سأبكى! الأمير: إنها غلطتك، إنى لم أتمنى لك الحزن ولكنك أنت الذى صممت على أن استأنسك. الثعلب: هذا مما لاشك فيه. الأمير: ولكنك ستبكى. الثعلب: وهذا مما لاشك فيه أيضاً. الأمير: إذاً لن تكسب شيئاً. الثعلب: سأكسب بسبب لون القمح. ثم اضاف قائلاً: غذهب وانظر للورود مرة أخرى وتفهم أن وردتك فريدة فى هذا العالم وستأتى لكى تودعنى فأقول لك سراً يجب أن تعتبره هدية. ذهب الأمير مرة أخرى إلى الورود. الأمير: أنتن لستم تشبههن وردتى. أنتن لا تمثلن شيئاً بالنسبة لأحد؛ لأن أحداً لم يستأنسكن ولم تستأنسوا أحداً. إنكن مثلما كان ثعلبى. فهو كان ثعلب شبيه بملايين الثعالب ولكنى جعلت منه صديقاً وهو الآن فريد فى هذا العالم. فتضايقت الورود. الأمير: أنتن جميلات ولكن فارغات. فلايمكن لأحد أن يموت من أجلكن. بالتأكيد إن أى عابر سيعتقد ان وردتى تشبهكن. ولكن، بالنسبة لى وحدها هى أهم منكن كلكن وذلك لأنى أنا الذى رويتها، وأنا الذى وضعتها تحت الغطاء الزجاجى، وأنا الذى قتلت لها دود القز، وأنا الذى معتها أحياناً تبكى وأحياناً تفتخر وأحياناً تسكت. إنها وردتى. ورجع الأمير الصغير للثعلب وقال له: الوداع. الثعلب: الوداع. هذا هو سرى. إنه بسيط جداً. نحن لا نرى جيداً إلا بالقلب. إن المهم دائماً هو ما لاتراه بالأعين. ردد الأمير ذلك حتى لا ينسى "إن المهم دائماً هو ما لا تراه بالأعين. الثعلب: إن الوقت الذى أضعته من أجل هذه الوردة قد جعل منها شيئاً خطيراً بالنسبة لك. إن الناس نسوا هذه الحقيقة فلا تنسها أنت. أنك ستصبح مسئولاً عما استأنست. أنت مسئول عن وردتك. ردد الأمير الصغير لكى لا ينسى: إنى مسئول عن وردتى. 22ـ الأمير: صباح الخير. محول السكة الحديد: صباح الخير. الأمير: ماذا تفعل هنا؟ محول السكة الحديد: إنى أنتقى آلاف المسافرين وأبعث بهم بالقطارات التى تحملهم تارة شمالاً وأخرى جنوباً. وكان هناك ضوء سريع يحدث صوتاً كالرعد فى كابينة التحويل. الأمير: إنهم متعجلين. فعم يبحثون؟ المحول: إن القائد نفسه لا يعرف. وصدر ضوء سريع فى الاتجاه المعاكس. الأمير: هل سيرجعوا؟ المحول: إن المسافرين تغيروا. الأمير: ألم يكونوا سعداء فى المكان الذى كانوا فيه؟ المحول: إنه لا يوجد أحد سعيد فى المكان الذى يوجد فيه. وصدر ضوء سريع صوته كالرعد للمرة الثالثة. الأمير: هل هؤلاء يتابعوا المسافرين الأوائل. المحول: إنهم لا يتابعون شيئاً. فإنهم إما نيام، أو يفكرون فى النوم. الأطفال فقط هم الذين يلصقون وجوههم فى النوافذ. الأمير: إن الأطفال فقط هم الذين يعرفون عما يبحثون. إنهم يضيعون وقتهم من أجل عروسة وتصبح مهمة جداً بالنسبة لهم. وإذا أخذناها منهم فإنهم سيبكون. المحول: إنهم محظوظون. 23ـ الأمير: صباح الخير. التاجر: صباح الخير. إنه تاجر يبيع حبوب مصنعة لتمنع العطش. فإذا أخذت واحدة تكفيك عن شرب الماء طوال الأسبوع. الأمير: ولماذا تبيع هذه الحبوب؟ التاجر: هو توفير للوقت. المتخصصون الذين أجروا أبحاثهم وجدوا أن الإنسان يضيع حوالى 53 دقيقة فى الأسبوع من أجل الشرب. الأمير: وماذا يمكن أن يقوم به الإنسان فى 53 دقيقة. التاجر: يفعل ما يريد. الأمير: أنا لو وجدت 53دقيقة لكى أفعل فيهم ما أريد فإنى سأمشى بهدوء نحو ينبوع مياه. 24ـ كنا فى اليوم الثامن للعطل الذى حدث لطائرتى فى الصحراء. وكنت اسمع حكاية تاجر الحبوب التى تمنع العطش، وأنا أشرب آخر نقطة من المياه التى كانت فى حوزتى. ـ إنى سعيد جداً بسماع ذكرياتك ولكنى حتى الآن لم أصلح طائرتى وليس عندى ماء للشرب، وأنا أيضاً سأكون سعيداً لو مشيت نحو ينبوع مياه. الأمير: إن صديقى الثعلب.... ـ أيها الأمير إن الأمر لا يتعلق أبداً بالثعلب. ـ لماذا؟ ـ لأننا سنموت من العطش. لم يفهم ما أريد أن أوضحه له وأجابنى: إنه من الأفضل أن يكون للإنسان صديقاً حتى ولو كان سيموت. فأنا سعيد لأنه قد اصبح عندى صديقى الثعلب. فقلت فى نفسى: إنه لا يهتم بالأخطار؛ فإنه لا يحتاج للأكل أو للشرب. فإن قليل من الشمس تكفيه؛ لكنه نظر إلىَّ وأجاب على تفكيرى. ـ إنى عطشان أيضاً هيا نبحث عن بئر. ـ وقد كنت أشعر بالملل والتعب وأنه من غير المعقول البحث عن بئر فى هذه الصحراء الشاسعة. وبالرغم من ذلك واصلنا المسير. ولما مشينا طويلاً لساعات نزل الليل والنجوم بدأت تضئ. وكنت أنظر لهم كما لو اننى كنت فى حلم. وكانت عندى سخونة بسبب العطش. كلمات الأمير كانت ترقص فى ذاكرتى وسألته: هل أنت عطشان؟ ولكنه لم يجب عن سئوالى وقال لى ببساطة: إن المياه يمكن أيضاً أن تكون نافعة للقلب. لم أفهم اجابته ولكنى سكت. كنت أفهم جيداً اننى لا يجب أن أسأله. لقد كان متعباً وقد جلس، وجلست بجانبه وبعد سكوت قال لى: ـ إن النجوم جميلة بسبب وردة لا نراها. أجبت بالتأكيد وكنت أنظر لكثبان الرمال تحت القمر. الأمير: الصحراء جميلة. وهذا صحيح. فإننى دائماً أحب الصحراء. نجلس على الرمال لا نرى شيئاً لا نسمع شيئاً وبالرغم من ذلك فإنه يوجد شئ جميل فى هذا الهدوء. الأمير: الذى يجمل الصحراء هو أنه يوجد بها بئر مختبئ فى مكان ما. لقد اندهشت لأننى فجأة فهمت غموض هذه الصحراء. فعندما كنت طفل صغير كنت أسكن منزل قديم والأسطورة كانت تقول إن فى هذا البيت كنز. بالتأكيد لم يكتشف أحد هذا الكنز ولم يبحث عنه أحد. ولكن هذا الكنز كان يجمل هذا البيت. إنه بيتى كان يخفى سراً فى عمق قلبه. قلت للأمير الصغير أيضاً إن كان الأمر يتعلق بالبيت أو بالنجوم أو بالصحراء فإن سر جمالهم شئ غامض. الأمير: إنى سعيد لأنك متفق مع صديقى الثعلب. ولما نام الأمير الصغير أخذته بين ذراعىَّ وأكملت الطريق. كان الأمر يبدو لى وكأننى أحمل كنز خفيف. وأنه لا يوجد أخف منه على الأرض. كنت أنظر فى ضوء القمر هذه الجبهة الشاحبة، هذه الأعين المغلقة، خصلات الشعر التى تتحرك مع الهواء. وكنت أقول "ما أراه ما هو إلا القشرة والمهم غامض خفى." وكما أن شفتاه كان عليهما ابتسامة قلت أيضاً "إن الذى يدهشنى فى هذا الأمير النائم هو إخلاصه لوردة، فإنها صورة الوردة التى تضئ وجهه وهو نائم مثل الضوء الذى يضئ المصباح. وانه من المهم أيضاً حماية المصابيح لأن أى ريح خفيفة يمكن أن تطفئها. وأنا فى الطريق اكتشفت بئر ظهر مع ظهور النهار. 25ـ الأمير: إن الناس تنشغل بالرغبة ولا يعلموا عما يبحثون. إذن فهم يضطربوا ويدوروا فى دائرة وأضاف: إنه لا يوجد وقت لذلك. البئر الذى قد وصلنا إليه لا يشبه آبار الصحراء، لأن الآبار الصحراوية عبارة عن ثقوب محفورة فى الرمال، ولكن هذا البئر يشبه بئر القرية، ولكن هنا لا توجد أى قرية، فكنت أظن إنى أحلم. إن الأمر غريب فكل شئ جاهز. البكرة، والدلو، والحبل. ضحك الأمير الصغير وأمسك الحبل ولعب بالبكرة وكانت تتحرك مثلما تتحرك طاحونة الهواء القديم عندما يهب عليها الهواء الذى طالما نام كثيراً. الأمير: إننا سنوقظ البئر وهو سيغنى. لم أكن أريد أن يبذل الأمير الصغير أى مجهود فقلت لـه ـ أترك الأمر لى. إن الدلو ثقيلة عليك. وقد كنت أنزله فى البئر وكنت أرفعه. وكنت اسمع صوت البكرة. الأمير: إنى عطشان لهذه المياه بالذات. اعطنى لأشرب. وفهمت عما كان يبحث عنه. رفعت الدلو حتى قمة فمه وشرب وعيناه مغلقة. هذه المياه كان لها أهمية مثل الطعام. إن هذه المياه وليدة سرانا تحت النجوم، ومن غناء البكرة، وعناء الذراعين. إنها نافعة للقلب. إنها مثل الهدية. فعندما كنت طفلاً كان نور شجرة الميلاد وموسيقى قداس نصف الليل، هدوء البسمات. كل ذلك كان له تأثير على الإحساس الذى كنت أشعر به وأنا أتلقى هدية عيد الميلاد. الأمير: الناس عندك يزرعون خمسة آلاف وردة فى حديقة واحدة ولا يجدون ما يبحثون عنه. فأجبته: إنهم لا يجدونه. الأمير: بالرغم من أن ما يبحثون عنه يمكن أن يجدوه فى وردة واحدة أو قليل من الماء. ـ بالتأكيد. أضاف الأمير: إن العيون غالباً لا ترى فإنه يجب أن تبحث بقلبك. شربت وتنفست جيداً وكانت الرمال فى مطلع النهار لونها لون العسل. وقد كنت سعيداً بهذا اللون. الأمير: يجب أن تتمسك بوعدك. وقد جلس بجانبى مرة أخرى وقد سألته. أى وعد؟ ـ أنت تعلم.. كمامة الخروف. إنى مسئول عن الوردة. أخرجت من جيبى محاولاتى فى الرسم فنظر الأمير لهم. وضحك وقال: ـ الباوباب تشبه قليلاً الكرنب. وأنا الذى كنت فخوراً بالباوباب. الأمير: الثعلب الذى رسمته.. أذنيه.. تشبه قليلاً القرون. وهذه الآذان طويلة جداً. وضحك مرة أخرى. أنت غير عادل أيها الأمير. إنى لا أعلم غير رسم الثعابين المغلقة والمفتوحة. الأمير: إن الأمور ستتحسن. إن الأطفال يعلمون ذلك جيداً. رسمت له كمامة وقد كان قلبى مربوطاً وأنا أعطيها له: هل عندك أيها الأمير مشاريع لا أعرفها ولكنه لم يجب وقال لى: هل تعلم ان عيد هبوطى الأول على الأرض سيكون غداً. ولكن؛ بعد سكوت طويل قال لى: ـ إنى وقعت قريباً جداً من هنا وأحمر وجهه. ومن الجدير بالذكر أنه بدون سبب شعرت بالحزن وبالرغم من ذلك جاءنى سئوال. ـ إذن ليس من الصدفة، إنه فى الصباح الذى قابلتك فيه لأول مرة، كنت تتجول وحدك منذ نحو 8 أيام على بعد ألف ميل من جميع المناطق المسكونة، هل سترجع إلى نقطة الهبوط؟ الأمير الصغير احمر وجهه مرة أخرى. لم يجب عن الأسئلة ولكن عندما يحمر وجه الإنسان ذلك يعنى دائماً أن الإجابة نعم. فقلت له: إنى خائف. الأمير: يجب أن تعمل الآن. قم اذهب إلى الموتور وسأنتظر مجيئك هنا غداً ليلاً. ولكن لم أكن مطمئناً. 26ـ كان يوجد بجانب البئر بقايا سور قديم من الحجر. عندما رجعت من العمل رأيت من بعيد الأمير الصغير يجلس فوق هذا السور وسمعته يتكلم ويقول: ـ ألا تتذكر؟! أليس بالضبط هذا المكان. بلا شك كان يوجد أحد يتكلم معه بما أنه أجاب وقال: ـ نعم! نعم! هذا هو اليوم ولكن هذا ليس المكان. فأكملت طريقى نحو السور. كنت لا أرى ولا أسمع أحداً. ورأيت الأمير الصغير يجيب من جديد: ـ بالتأكيد سترى أين تبدأ آثار قدمى فى الرمال. وتنتظرنى فى المكان. سأكون هناك فى هذه الليلة. كنت على بعد عشرون متراً من السور ولكنى لم أر شيئاً. وقال الأمير الصغير بعد سكوت. ـ هل عندك سم جيد؟ وهل أنت متأكد أنك لن تجعلنى أتألم طويلاً؟ اندهشت وانقبض قلبى لكنى لم أفهم شيئاً. ـ الآن اذهب لأنى أريد أن أنزل. نظرت بعينىَّ إلى أسفل السور. واندهشت عندما رأيت أسفل هذا السور إحدى الثعابين الصفراء التى تميت الإنسان فى 30ثانية. بحثت فى جيبى لكى أخرج المسدس، وتقدمت خطوة للأمام. ولكنى بسبب الصوت الذى أصدرته دخل الثعبان بهدوء فى الرمال. وصلت فى الوقت المناسب. جئت ناحية السور لكى آخذ الأمير الصغير بين ذراعىَّ وقد كان شاحب اللون مثل الثلج. ـ ماهى الحكاية؟ هل تتكلم الآن مع الثعابين؟ كان ينظر إلىَّ وكان قلبه يدق مثل العصفورة التى تموت وقال لى: إنى سعيد لأنك وجدت الذى ينقص الموتور وتقدر أن ترجع إلى بلدك. ـ كيف عرفت؟ ونسيت إنى قد أخبرته بأنى قد نجحت فى عملى. لم يجب على سئوالى وقال لى: ـ أنا أيضاً سأرجع إلى كوكبى اليوم. ثم قال حزيناً: إنه بعيد جداً.. وإنه صعب جداً. كنت أشعر أن شئ غامض يحدث. كنت أضمه بين ذراعىَّ كطفل صغير. كان يبدو لى أنه فى مشكلة وإنى لن أستطيع أن أفعل له شيئاً. كانت نظرته جادة ضائعة بعيدة. ـ عندى خروفك وعندى الصندوق للخروف وعندى الكمامة وضحك بحزن. انتظرت قليلاً وقلت له: ـ هل أنت خائف أيها الأمير الصغير. كان خائفاً بالتأكيد. ولكنه ضحك بهدوء وقال: ـ إنى سأصبح أكثر خوفاً فى المساء. من جديد كان الإحساس بعدم القدرة على فعل شئ يسيطر علىَّ. وفهمت إنى لا أقدر أن أتحمل فكرة عدم سماع ضحكة الأمير الصغير. كانت بالنسبة لى مثل الينبوع فى الصحراء. ـ أيها الأمير الصغير. إن حكاية الثعبان والموعد والنجوم تبدو لى وكأنها حلم. ولكنه لم يجب على سئوالى وقال: ـ المهم دائماً لا يُرى. ـ بالتأكيد. الأمير: انك إذا أحببت وردة فى نجم فإنه من الجميل فى الليل أن تنظر إلى السماء لكى ترى كل النجوم وردية. ـ بالتأكيد. ـ إنه أيضاً بالنسبة للمياه التى أعطيتنى منها لأشرب. إنها كانت مثل الموسيقى بسبب غناء البكرة والحبل هل تتذكر.. إنها جميلة. ـ بالتأكيد. الأمير: ستنظر فى الليل إلى النجوم. إن نجمتى صغيرة جداً فلن أستطيع أن أجعلك تراها. هذا أفضل. نجمتى ستكون لك نجمة من النجوم. إذن ستحب كل النجوم. وسكونوا أصدقاءك. وأنا سأعد لك هدية. وضحك أيضاً. ـ نعم أيها الأمير الصغير. إنى أحب أن أسمع هذه الضحكة. ـ بالتحديد ستكون هديتى.. ستكون مثل الماء.. ـ ماذا تريد أن تقول؟ ـ إن النجوم بالنسبة للناس تختلف. فهى عند المسافرين مرشدهم. وللبعض الآخر ماهى إلا أنوار صغيرة. بالنسبة للعلماء هى مشكلة. بالنسبة لرجل الأعمال كانت تمثل الذهب. ـ ماذا تعنى بذلك. ـ عندما تنظر إلى السماء فى الليل، وبما إنى سأكون فى أحد هذه النجوم وسأضحك فى واحدة منها. إذن سترى وكأن النجوم تضحك لك. وسيكون عندك نجوم تعرف الضحك. ـ وعندما تهدأ ستكون سعيداً بأنك عرفتنى. ستكون دائماً صديقى. ستكون دائماً متشوقاً للضحك معى. وستفتح نافذتك من أجل السعادة. وسيتعجب أصدقاءك لأنهم سيرونك تصحك عندما تنظر إلى السماء. ستقول لهم: "إن النجوم تجعلنى دائماً أضحك". وسيعتقدون أنك مجنون. وضحك أيضاً وقال: ـ وكأننى أعطيتك بدل النجوم أجراس صغيرة تضحك. وضحك قليلاً ثم رجع إلى حديثه. ـ هذه الليلة لن تأتى معى. ـ لن أتركك. يحدث كشئ ضار. سأموت الليلة ولن تجئ معى حتى لا ترى ذلك. ـ لن أتركك. كان الأمير متضايقاً وقا لى: ـ إنى أقول لك هذا من أجل الثعبان. لا يجب أن يلدغك. إن الثعابين خطيرة جداً وأحياناً تلدغ للمتعة. ـ لن أتركك. ولقد كان هناك شئ يطمئنه أنه دائماً لا يوجد عند الثعابين سم للضحية الثانية. فى هذه المرة لم أر الأمير على الطريق لأنه كان قد انسحب بدون صوت. ولما نجحت فى اللحاق به أسرع فى المشى وقال لى. ـ هل أنت هنا. واخذنى من يدى ووبخنى ـ أنت مخطئ. ستتألم لأنك سترانى أموت. ولكنى لن أموت. فسكت. ـ أنت تفهم أن كوكبى بعيد جداً وإنى لا أقدر أن أحمل هذا الجسم الثقيل. فسكت. ـ إنه سيصبح مثل القشرة القديمة المتروكة. فإن القشور القديمة ليست محزنة. فسكت وقد كان الأمير خائفاً. ولكنه كان يقوم بمجهود. ـ سيكون الأمر أفضل. أنا أيضاً سأنظر إلى النجوم وكل النجوم ستكون آبار وكل النجوم ستصب لى الماء لكى اشرب. فسكت. ـ سيكون هذا مسلياً سيكون عندك حوالى 500 ألف جرس وسيكون عندى حوالى 500 ألف ينبوع ماء. وسكت أيضاً لأنه كان أيضاً يبكى. ـ ها نحن قد وصلنا. وجلس لأنه كان خائفاً وقال أيضاً: ـ إنى مسئول عن الوردة. وهى ضعيفة جداً وهى أيضاً بريئة. عندها أربع أشواك فقط للدفاع عن نفسها فى هذا العالم. جلست لأننى لم أكن قادراً على الوقوف وقد قال لى: ـ ها هو كل شئ. وتردد قليلاً ثم قام. وخطى خطوة ولكن لم أقدر أن أتحرك. كان لا يوجد شئ سوى خيط أصفر بجانب شعره. بقى لحظة لم يتحرك ولم يصرخ. ثم وقع بهدوء كما تقع الشجرة. لم يصدر وقوعه أى صوت بسبب الرمال. 27ـ والآن وقد مرت على هذه القصة ست سنوات. لم أحكِ أبداً هذه القصة. ولكن أصدقتئى الذين رأونى مرة أخرى كانوا سعداء لأنى حى. ولكنى كنت حزين. والآن أشعر بالراحة قليلاً وذلك يعنى أنها ليست راحة تامة. ولكن أعلم جيداً أنه رجع إلى الكوكب لأنه فى مطلع النهار لم أجد جسده. لم يكن جسداً ثقيلاً. وأحب فى الليل سماع النجوم فهى مثل 500 ألف جرس وإنى أتسائل: ـ تُرى مالذى حدث على كوكبه. يمكن أن يكون قد أكل الخروف الوردة. ولكنى أقول "لا". لأن الأمير يضع الوردة تحت الغطاء الزجاجى ويباشر الخروف. إذن إنى سعيد وكل النجوم تضحك بهدوء. لكنى كنت أتسائل: ـ ينسى الإنسان أحياناً مرة أو أخرى. وهذا يكفى فإنه يمكن أن يكون قد نسى الغطاء الزجاجى أو خرج الخروف من الصندوق دون أن يحدث صوتاً. إذن الأجراس كلها تأخذ فى البكاء. وهذا هو اللغز الكبير. بالنسبة لكم الذين تحبون الأمير الصغير. فإنكم ستتسائلون هل أكل الخروف الوردة. أم لا؟ أما بالنسبة للرجال الكبار فإنهم لن يفهموا أبداً أن لذلك أهمية. |