:الوقفة الثانية عشرة
:سأتناول في هذه الوقفة بيان الموقف
الشرعي لكِلا الجهادين
.الجهاد في أفغانستان والجهاد في
البوسنة والهرسك
:ـ أولاً: الجهاد في أفغانستان
:بادئ ذي بدء لا أريد أنْ يُقال
في حقي
نقمت على المبرد ألف بَيْت *****
كذاك الحي يغلب ألف مَيْتِ
لأنّه قد يقول قائل وهذا القول سائغ
ـ إنَّ الجهاد هناك يكاد يكون انتهى فما
العبرة من إعادة ملفاته وتقليب دفاتره
القديمة.. أجيب قائلاً: هدفي من ذلك
الدخول في النقطة التالية وهي المتعلقة
بوضع البوسنة والهرسك وهي حالة
راهنة لم تنته بعد، وثانياً الاستفادة
من تجارب الماضي حتى لا تتكرر المأساة
بنفس الطريقة فيكون ذلك شاهداً على
سذاجتنا وضعف إيماننا، وقد قال النبي
.صلى الله عليه وسلّم: (لا يُلدغ
المؤمن من جحرٍ مرتين) رواه البخاري
لاشك أولاً في شرعية الجهاد الأفغاني
والأدلة والنصوص على وجوب ردّ
العدوان إنْ نزل بأرض إسلامية أشهر
من نار على علم، بل هذه الحالة من
..حالات تحتم الجهاد وتحوله إلى
الفرض العيني
وهذا ليس خاصاً بأفغانستان بقدر
ما هو حكم عام في كلّ بلد إسلامي يتعرّض
لهجوم عدواني كافر، والحمد لله..
فضلاً عن ذلك فالرايات إلى حدٍ ما كانت
..واضحة هناك، وأنّها تجاهد لدرء
الكفر عن البلاد ولتحكيم شرع الله هناك
وعلى الأقل فقد كان هذا هو الشعار
السائد عند أكثر قادة الجهاد هناك إنْ لم
.يكن عند جميعهم حتى فضحهم الله
سبحانه بما هو معروف لدى الجميع
ولشدّة التلبيس على المجاهدين، كان
الاخوة هناك ينكرون على أي شخص
يحاول المساس بشخصية أحد قادة الجهاد
حتى لو كان الخطأ في ذاك القائد
عقدياً، وهذا في الواقع من الأخطاء
الجسيمة التي يجب تداركها إذ إنَّ الجهاد
علم ودعوة قبل أنْ يكون سيفاً، قال
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين
حول قوله صلى الله عليه وسلّم: (لا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون) قال:
(وليس المراد الظهور بالسيف دائماً بل
بالحجة دائماً والسيف أحياناً) والإسلام
لا يحكم عليه بالرجال بل هو الذي يُحكم
به على الرجال، والخطأ خطأ ولو كان
من الأشراف (والذي نفس محمد بيده
لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت
يدها) رواه الشيخان، ومعالجة الخطأ
واجبة والأمر بالمعروف واجب والنهي
عن المنكر واجب، والمجاملة غير
بل محرّمة إذا كانت على حساب الدين،
وقد قال صلى الله عليه وسلّم: (كلا،
والله لتأمرّن بالمعروف ولتنهون
عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد الظالم ولتأطرنّه
على الحق أطراً، ولتقصرنّه على الحق
قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم
على بعض ثمَّ يلعنكم كما لعنهم)
رواه أبو داود، وقد أنكر صلى الله عليه وسلّم
على أسامة بن زيد حِبّه وابن حبِه
قتله الرجل الذي قال لا إله إلاّ الله، حتى
تمنّى أسامة أنْ لو كان إسلامه قد
بدأ في ذاك اليوم فقط، وتبرّأ من صنع خالد
في إحدى المعارك، ولم يجامل خالداً
على كثرة فضائله في الجهاد، ولم يغفر
لأسامة زلته وهو قد قتل الرجل بتأويل
، وإنما أخرجه الجهاد في سبيل الله
ابتغاء مرضاته.. ثمَّ إنَّ النصيحة
بين القائد وجنوده هي من أفضل أدوات
الاستعداد والنصر في المعارك.. وإذا
كان سعد بن أبي وقاص رضي الله
:تعالى عنه لم يسلم من النقد والإساءة
من قِبل بعض جنده يوم القادسية إذ قيل فيه
وأُبنا وقد آمت نساءٌ كثيرة *****
ونسوة سعد ليس فيهنّ أيِّمُ
وهو صاحب العذر إذ ابتلي بالقروح
في جسده فلم يتمكن من الركوب على
الخيل.. فمن باب أولى من هو دونه
من القادة خاصة إذا كان الخطأ
..جسيماً لا يحتمل
وقد هاجم المغيرة بن شعبة الجندي
المثنى بن حارثة الشيباني القائد يوم
موقعة الجسر مع الفرس حينما رأى
الفرس يتقدمون ولا يتحرك المثنى بشيء،
فعاب عليه ذلك، فدعا له المثنى بالخير
وقال له: (إنّما منعني من ذلك أنّي
(..كنت أرى رسول الله صلى الله عليه
وسلّم إذا حضرت الأرواح بدأ بالصلاة
...أو كما قال والأمثلة على ذلك
كثيرة
والعجب كلّ العجب أنَّ جماعة التكفير
التي كانت في بيشاور قد اكتشفت
تلك الحقيقة في أولئك القادة قبل
كلّ تلك المعمعات والفضائح.. وهذه
...حسنة لهم ـ أراها تضيع ـ والله
أعلم في بحر سيئاتهم
وما ذاك منهم بفضل وفراسة بقدر ما
هو امتداد لتاريخهم الأسود في اعتقاد
الأصل في النّاس الكفر وتقديم سوء
الظنّ بالنّاس على حسنه حتى ولو
.كان أولئك مسلمين يُشهد لهم بالخير
والفضل، والله المستعان
والذي أُريد أنْ أُشير إليه هنا
هو أنّه لا تناقض في كلامي السابق البتّة
حينما ذكرت أنَّ الجهاد في أفغانستان
هو مقبرة للمجاهدين ثمَّ حديثي عن
شرعيته.. وهذا واضح لكلّ ذي لب..
إذ إنّه مقبرة للمجاهدين طبقاً لتخطيط
الكفّار والمرتدين ومن والاهم كما
سبق بيان هذا.. وأمّا كونه شرعياً فلأجل
النصوص الشرعية التي تعضده ولأنّه
صلى الله عليه وسلّم يقول: (وإذا
استنفرتم فانفروا) رواه البخاري،
فالمجاهدون خرجوا على نياتهم ابتغاء
مرضاة الله ثمَّ الأجر والمثوبة،
وإنْ كان هو في أصله قد أُقيم لأجل مصالح
...بلدان الكفر والطغيان كما سبق
بيان هذا
وممّا يشهد لما قلناه حادثة القُرّاء
في زمانه صلى الله عليه وسلّم حينما غدر
بهم الكفّار ـ رواه البخاري ـ فالعملية
من أساسها غدر ولكن بالنسبة للصحابة
كان استجابة لله والرسول صلى الله
عليه وسلّم وطاعة لله والرسول صلى الله
.عليه وسلّم، ولهذا كان أولئك القُرّاء
من خير الشهداء عند الله تعالى
ومن أكثر الأمور إضفاء للشرعية على
ذلك الجهاد أنَّ كلّ القيادات هناك
كانت ذات هدف واحد ـ وإنْ لم تكن
ذات راية واحدة ـ هو القضاء على الحكم
الشيوعي الكافر المتمثل في حكومة
نجيب الله وإحلال الحكم الإسلامي محله
كما كان ذلك ظاهراً من أقوالهم وأفعالهم
حتى فضحهم الله سبحانه. لكن الحال
.مختلف في البوسنة والهرسك، وهذا
ما سيأتي بيانه
:ـ ثانيا: الجهاد في البوسنة والهرسك
وضع الجهاد في البوسنة والهرسك ـ كما كنتُ أراه ولا أزال
ـ يختلف اختلافاً
كبيراً بالنسبة لأفغانستان وذلك لسبب وجيه ومهم جداً ألا
وهو أنَّ الجهاد قائم
هناك والسلطة الحاكمة الطاغوتية التي لا تحكم بشرع الله
قائمة أيضاً وملازمة
.منصبها لا تنفك عنه
ومعلوم عند الجميع صغاراً كانوا أو كباراً أنَّ هذه السلطة
هي التي سيئول إليها
.زمام الأمر في النهاية.. بمعنى أنَّ الراية هناك ليست
شرعية.. والله المستعان
وللمجاهدين هناك عذرهم الشرعي في جهادهم إذ إنَّ أغلب المشايخ
من الذين
يوثق بعلمهم أو من لا يُوثق بهم كانوا يرون وجوب الجهاد
هناك لأدلّة، نستطيع
:أنْ نُجملها فيما يلي مع بيان وجه الصواب فيها، والله
الموفق
..الدليل الأول: وجود راية مستقلّة للاخوة هناك، منفصلة
عن راية الجيش
.وهذا دليل من واقع الساحة هناك
الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلّم: (وإذا استنفرتم
فانفروا) أي إذا طُلب
.منكم النفير وهو الجهاد فلبّوا
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلّم: (من خير معاش
النّاس لهم رجل
ممسكٌ بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع
هيعة أو فزعة
.طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه..) رواه مسلم
.قالوا: والبوسنة والهرسك قد نادت بأعلى صوتها فأي هيعة
أوسع من تلك
:والهيعة هي: كلّ ما أفزعك من صوت أو فاحشة تُشاع. قال
الشاعر
إنْ سمعوا هيعةً طاروا بها فرحاً ***** مني، وما سمعوا
من صالح دفنوا
الدليل الرابع: حديث الرجل الذي قال: (يا رسول الله أرأيت
إنْ جاء رجل
:يُريد أخذ مالي، قال: لا تُعطه مالك، قال: أرأيت إنْ قاتلني،
قال: قاتله، قال
أرأيت إنْ قتلني، قال: أنت شهيد. قال: أرأيت إنْ قتلته،
قال: هو في النّار
وكذلك ما كان في معناه، مثل حديث: (من قُتِلَ دون ماله
فهو شهيد ومن
قُتِلَ دون دمه فهو شهيد ومن قُتِلَ دون دينه فهو شهيد
ومن قُتِلَ دون حرمته
فهو شهيد) وهذا الحديث وما كان في معناه يُمثّل قاعدة دفع
الصائل، والصائل
هو المعتدي الذي يُريد أخذ المال أو النفس أو العِرض فلابد
من دفعه.. وجائز
.جداً تصنيف الجهاد هناك من باب دفع الصائل
الدليل الخامس: ذهب بعضهم إلى أنَّ السلطة الحاكمة هناك
ليست بكافرة
ولا طاغوتية، وهؤلاء لا حديث لنا معهم لأنّهم ناموا وأدلج
القوم، وهذا البحث
.لم يُعَدْ لمثل هؤلاء المرجئة السُذّج
:وإليك أخي القارئ التفصيل في الأدلة السابقة
كلّ ما ذُكر من أدلّة لا يصلح الاحتجاج به فيما نحن بصدد
معالجته، فأمّا
الدليل الأول: وإنْ كان لا يعضده آية أو حديث بل هو الأقرب
إلى كونه شبهة،
فلا يصلح للاحتجاج لكون تلك الراية مستقلّة لم تدم طويلاً،
إذ سرعان ما
اتحدت الرايتان تحت راية واحدة هي الجيش البوسنوي الذي
هو في أصله جند
محضرون للطاغوت وحاشيته، ثمَّ إنَّ وجود هذه الراية المستقلة
إنّما هو مجرّد
شيء شكلي إذ إنَّ الأمر بيد الجيش والسلطة الحاكمة، بمعنى
أنَّ وجود هذه
.الإستقلالية وعدمها سيّان. والله المستعان
وأمّا حديث (وإذا استنفرتم فانفروا) وما كان في معناه
كقوله تعالى: {يا أيّها
{الذين آمنوا مالكم إذا قِيلَ لكم انفروا في سبيل الله
اثّاقلتم إلى الأرض
وكذلك حديث مدح الرجل الآخذ بعنان فرسه… لا يمكن أنْ يُفهم
منها أنْ
يطلب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو أخشى النّاس لله وأتقاهم
له أنْ يُقاتلوا
أو ينفروا للقتال تحت راية حاكم طاغوت، ومعاذ الله أن يمدح
النبي صلى الله
عليه وسلّم رجلاً آخذاً بعنان فرسه لكي يُقاتل تحت راية
من لا يحكم بشرع
الرحمن… أقولُ: لا يجوز لمسلم أصلاً أنْ يظنَّ مثل هذا
الظنّ برسول الله صلى
:الله عليه وسلّم فضلاً عن أنْ يعتقده. كيف هذا وقد قال
صلى الله عليه وسلّم
من قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لِعصَبَةٍ أو يدعو إلى
عصبة أو ينصر عصبة
فقُتِل فقِتلته جاهلية) رواه مسلم. فإذا كان القتال تحت
راية عمية ـ أي لا تعرف
هذه الراية ولا يُستبان وجهها ـ كانت قتلته جاهلية فما
بالك إذنْ حين تكون
الراية المُقاتل تحتها واضحة لا لبس فيها ولا غموض.. ألا
وهي راية طاغوت
!!لا يحكم بشرع الله؟؟
وليس لقائل أنْ يحتج علينا بقوله صلى الله عليه وسلّم في
هذا الحديث (يغضب
لعصبة أو يدعو لعصبة..) إلخ.. لأنَّ هذه ليست صفات مُقيدة
لنوع تلك الراية
بقدر ما هي صفات كاشفة لبعض أنواع تلك الرايات العميات،
وهذا أشبه
بقوله سبحانه:{وأنْ تُشركوا بالله ما لم يُنزّل به عليكم
سلطاناً} فليس هناك
شرك يُنزّل الله به سلطاناً.. بل هذا محال، فليست الصفة
ههنا قيداً بل هي صفة
.كاشفة تكشف حال تلك الرايات وما شاكلها
وأمّا الدليل الثالث وهي مسألة دفع الصائل فأكثر كلام العلماء
فيها ـ على قلته
فيها ـ لا يعدو عمّا ذُكر في الحديث السابق، وهو رجل أو
رجال عدوا على
مسلم يُريدون أخذ ماله أو عرضه أو نفسه فما الذي يفعله
والحال هذه؟ الجواب
.)في الحديث السابق (لا تُعطه مالك ـ قاتله ـ هو في النّار
ـ أنت شهيد
سُئل شيخ الإسلام رحمه الله عن المفسدين في الأرض الذين
يستحلّون أموال
الناس ودمائهم: مثل السارق، وقاطع الطريق: هل للإنسان أنْ
يُعطيهم شيئاً من
من ماله يُقاتلهم؟ وهل إذا قتل رجل أحداً منهم: فهل يكون
ممّن ينسب إلى النفاق؟
عليه اثم في قتل من طلب قتله؟
فأجاب: أجمع المسلمون على جواز مقاتلة قطّاع الطريق، وقد
ثبت عن النبي
(صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: (من قُتِل دون ماله فهو
شهيد
فالقطّاع) إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يُعطيهم
شيئاً باتفاق الأئمّة،)
بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإنْ لم يندفعوا إلاّ بالقتال
فله أنْ يُقاتلهم، فإنْ قُتل
كان شهيداً، وإنْ قتل واحداً منهم على هذا الوجه كان دمه
هدراً، وكذلك إذا
طلبوا دمه كان له أنْ يدفعهم ولو بالقتل اجماعاً، لكن الدفع
بالمال لا يجب، بل
يجوز له أنْ يُعطيهم المال ولا يُقاتلهم. وأمّا الدفع عن
النفس ففي وجوبه قولان،
.وهما روايتان عن أحمد
:وقال رحمه الله عن رجل كابر امرأة عن نفسها فقُتِل: (..
هذا على وجهين
أحدهما أنْ يُقتل دفعاً لصوله عليها، مثل أنْ يقهرها فهذا
دخل في قوله: (من قُتِل
دون حرمته فهو شهيد) وهذه لها أنْ تدفعه بالقتل، لكن إذا
طاوعت ففيه نزاع
وتفصيل، وفيه قضيتان عن عمر وعلي معروفتان، وأمّا إذا فجر
بها مستكرهاً ولم
تجد من يُعينها عليه فهؤلاء نوعان: (أحدهما) أنْ يكون له
شوكة كالمحاربين لأخذ
المال، وهؤلاء محاربون للفاحشة فيُقتلوا. قال السدّي قد
قاله غيره. وذكر أبو
.اللوبي أنَّ هذه جرت عنده ورأى أنَّ هؤلاء أحقّ بأنْ يكونوا
محاربين
والثاني) أنْ لا يكونوا ذوي شوكة، بل يفعلون ذلك غِيلةً
واحتالاً، حتى إذا)
صارت عندهم المرأة أكرهوها فهذا المحارب غِيلة كما قال
السدّي. يُقتل أيضاً
وإنْ كانوا جماعة في المِصر، فهم كالمحاربين في المِصر،
وهذه المسائل لها
.موضع آخر
وقال: ويجوز للمظلومين ـ الذين تراد أموالهم ـ قتال المحاربين
باجماع المسلمين،
ولا يجب أنْ يبذل لهم من المال لا قليل ولا كثير، إذا أمكن
قتالهم قال النبي صلى
الله عليه وسلّم :"من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون
دمه فهو شهيد،
ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد".
وهذا الذي
يسميه الفقهاء "الصائل"، وهو الظالم بلا تأويل ولا ولاية،
فإذا _كان مطلوبه
المال جاز دفعه بما يمكن ، فإذا لم يندفع إلا بالقتال قوتل،
وإن ترك القتال
وأعطاهم شيئاً من المال جاز، وإما إذا كان مطلوبه الحرمة
_ مثل أن يطلب الزنا
بمحارم الإنسان أو يطلب من المرأة أو الصبي المملوك أو
غيره الفجور به؛ فإنه
يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن، ولو بالقتال، ولا يجوز
التمكين منه بحال،
بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه لأنَّ بذل المال جائز،
وبذل الفجور بالنفس أو
.بالحرمة غير جائز. وأما إذا كان مقصوده قتل الإنسان، جاز
له الدفع عن نفسه
وهل يجب عليه؟ على قولين للعلماء في مذهب أحمد وغيره. وهذا
إذا كان للناس
سلطان، فأما إذا كان _ والعياذ بالله _ فتنة؛ مثل أن يختلف
سلطانان للمسلمين
ويقتتلان على الملك.. فهل يجوز للإنسان _ إذا دخل أحدهما
بلاد الآخر، وجرى
السيف، أن يدفع عن نفسه في الفتنة، أو يستسلم فلا يقاتل
فيها؟ على قولين
.لأهل العلم في مذهب أحمد وغيره
وقال صاحب المُغني: مسألة: قال: وإذا دخل منزله بالسلاح،
فأمره بالخروج،
فلم يفعل، فله أنْ يضربه بأسهل ما يخرجه به، فإنْ علم يخرج
بضرب عصا، لم
يجز أنْ يضربه بحديدة، فإنْ آل الضرب إلى نفسه، فلاشيء
عليه وإنْ قُتل
.صاحب الدار كان شهيداً
وجملته أنَّ الرجل، إذا دخل منزل غيره بغير إذنه، فلصاحب
الدار أمره
بالخروج من منزله، سواء كان معه سلاح أو لم يكن، لأنّه
معتدّ بدخول ملك
غيره، فكان لصاحب الدار مطالبته بترك التعدي، كما لو غصب
منه شيئاً،
فإنْ خرج بالأمر، لم يكن له ضربه لأنَّ المقصود إخراجه،
وقد روى عن
ابن عمر أنّه رأى لصاُ، فأصلت عليه السيف قال: فلو تركناه
لقتله،وجاء
رجل إلى الحسن فقال: لص دخل بيتي ومعه حديدة أقتله؟ قال:
نعم بأيّ
.قتلة قدرت أنْ تقتله
وقال: وكل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه، فحكمه ما ذكرناه
.فيمن دخل منزله في دفعهم بأسهل ما يمكن دفعهم به
وقال: وإذا صال على إنسان صائل يريد ماله أو نفسه ظلماً،
أو يُريد
امرأة ليزني بها، فلغير المصول عليه معونته في الدفع، ولو
عرض اللصوص
لقافلة، جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم، لأنَّ النبي
صلى الله عليه وسلّم
قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، وفي حديث: (إنَّ المؤمنين
يتعاونون
على الفتّان)، ولأنّه لولا التعاون لذهبت أموال النّاس
وأنفسهم، لأنَّ
قطّاع الطرق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يعنهم غيره،
فإنّهم
.يأخذون أموال الكلّ واحداً واحدا، وكذلك غيرهم
أقولُ: إنَّ توسيع دائرة هذا الحديث ليصل إلى مستوى الدول
يحتاج تحقيقاً
للمناط قائماً على دليل صحيح صريح لا لبس فيه ولا غموض
ولا نزاع،
خاصةً إذا وضعنا بالاعتبار موضوع الراية، وبقاء السلطة
الحاكمة بغير
.شرع الله على الكرسي في كلّ الأحوال
أتوقّع أخي القارئ أنْ تكون قد وصلت إلى طريق مسدود بعد
كلّ
العرض السابق، وكأني بك تقول: إذن، فما العمل؟ هل نترك
المسلمين
.يقتلون ويُذبحون كالنعاج دون نُصرة؟ وهذا مالا يرضاه مسلم
:وأقول في الجواب بعد حمد الله
إنَّ تحقيق رضا الله سبحانه فوق كلّ اعتبار، والسعي الحثيث
لنيل ذلك
هو غاية المؤمن الصادق مع ربّه ونفسه… ولذلك فالذي أرجوه
من كلّ
أخ يقرأ هذا المقال ألاّ يتسرّع بالحكم عليَّ بالتثبيط
والتخاذل.. ويعلم الله
أنّه لولا حب إخواني المجاهدين في الله ما كنتُ كتبتُ ما
كتبت، ولكن
هي محاولة مني لإيقاظ الهمم الصادقة للسعي الحثيث ولكن
على بصيرة
...وعلم لا على عاطفة وانحراف مَرتَعُهُ وخيمٌ
:والحل أخي المسلم لا يخرج عن شيئين
الأول: إسقاط النظام الحاكم بغير ما أنزل الله في تلك البلاد
التي استغاثت
بالمجاهدين، وأنْ يكون التركيز بادئ ذي بدء على إسقاطه،
والاستبدال به
نظاماً إسلامياً شرعياً يكون عن طريق القوة أو عن طريق
التفاوض معه على
التنحي عن الحكم بسلام، والتوبة إلى الله ممّا صدر عنه
من كفر، وإقصائه عن
مواطن النفوذ والسيطرة.. وعدم التسامح في هذه النقطة أبداً
إذا أراد المسلم
أنْ يُجاهد في أي بلد من البلدان لأنّ الطِيبة بل السذاجة
لا يجوز أنْ تكون
خُلقاً للمسلم.. هذه السذاجة من المتدينين والملتزمين هي
التي جعلت طاغوت
الكويت يحصل على تأييد كامل من أكثر الدعاة ـ وهو في المنفى
زمن غزو
العراق للكويت، وذلك حينما خدعهم الطاغوت وصوّر لهم أسفه
عن التقصير
في حقّ الله، وأنّه لابد من فتح صفحة جديدة مع الله سبحانه
من خلال تطبيق
شريعته عند الرجوع إلى الكويت المُحررّة، وعاهدهم على ذلك
فماذا كانت
النتيجة: (كانت مواعيد عرقوب له مثلاً) وازداد الفساد أكثر
ممّا كان من قبل
وعمَّ الكفر وطمَّ، وذهبت تلك الوعود أدراج الرياح.. وللأسف
فلا يزال بعض
من يزعم فقه الواقع ويدّعي المشيخة والعلم هناك يُحسن الظنّ
بالطاغوت، وأنَّ
...السبب في عدم تحكيم شريعة الله في الكويت ليس هو الحاكم
بل هو من حوله
وبنفس الأسلوب تقريباً تجدّدت تلك المواعيد من حاكم البوسنة
الطاغوت
للمجاهدين، وخُدعوا.. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.. والبقية
تأتي.. وعلى
المجاهدين جميعاً أنْ يتفطّنوا لذلك، وأنْ يكون شعارهم
(المؤمن لا يُلدغ
:من جحرٍ مرتين) و
إنْ عادت العقرب عدنا لها **** وكانت النعل لها جاهزة
الثاني: تركيز كلّ مجاهد على إصلاح الوضع في بلده، وإثارة
روح الجهاد في
نفوس الشباب خاصة، والتوكل على الله سبحانه في إقامة هذه
الفريضة، كلٌّ في
بلده، لأنَّ الجهات إنْ كثُرت تعذّر على الطواغيت إخمادها،
وكسبت شعبية
حافلة لدى الجماهير المسلمة العريضة، لأنّهم سيدركون معنى
الهدف السامي
الذي يسعى إليه المجاهدون، ويُراقبون الأوضاع عن كثب لا
من خلال إذاعة
.وتلفاز الطاغوت الذي يُصوّر الباطل حقاً والحقَّ باطلاً
والله المستعان
هذا هو الحل الأمثل الذي أراه، وهو لم يأت متأخراً كما
قد يتصوره بعض
.القرّاء الأحبّة الأكارم لما سنذكره في الوقفة التالية
:الوقفة الثالثة عشرة
لما كان أسلوب مقابر المجاهدين ناجعاً
وفعّالاً في تحقيق مآرب الكفّار وذيولهم
الطواغيت، فلا استبعد إطلاقاً تجهيز
وإعداد مقبرة جديدة تُحاك خيوطها في
جنح الظلام، فبعد مقبرة أفغانستان
والبوسنة والهرسك وبقاء طوائف من
المجاهدين على قيد الحياة.. لابد
إذن ـ بطبيعة الحال ـ من تهيئة مقبرة
جديدة وبنفس الأسلوب السابق، ولا
أدري في الواقع أين تكون هذه المقبرة؟
وإنْ كنت حقيقة أستطيع استبعاد دول
كثيرة من القائمة.. ولا أقطع بذلك
على الله، بل هو اجتهاد مني إنْ
أصبت فيه فمن الله وحده لا شريك له،
..وإنْ أخطأت فمني ومن الشيطان والله
ورسوله بَرَاءٌ من ذلك
أستبعد أنْ تكون تلك المقبرة الجديدة
في أوربا أو أمريكا وما كان على
شاكلتهما.. وأستبعد أنْ يكون دولة
من دول الخليج، لأنَّ هذه الدول تُمثّل
المنبع الهام للحياة في دول الكفر،
وحُكّامها أكثر الطواغيت عمالة لأمريكا
.والغرب كما هو معروف للجميع. كذلك
من الجائز استبعاد دول شمال أفريقيا
وعليه فليس أمامنا إلاّ دولة من
دول أمريكا الجنوبية أو أفريقيا ـ خلا شمالها ـ
ولعلّ الأقرب أنْ تكون تلك المقبرة
في دولة حُكّامها من المحسوبين على
الإسلام حتى يُمكنهم التمثيل على
المجاهدين.. لأنَّ هذا من الشروط المهمة التي
.تجعل التمثيل على المجاهدين سائغاً
إلى حدٍ كبير والله أعلم
وسيواكب هذا الأمر ـ والله أعلم
ـ عراقيل كثيرة تُوضع أمام بقاء من بقي
من المجاهدين حياً في البوسنة والهرسك،
بمعنى أنَّ التاريخ سيُعيدُ نفسه. فكما
أنَّ الاخوة في أفغانستان ـ بعد
سقوط كابول ـ تعرّضوا لضغطٍ شديد
..حتى ضاقت الأرض عليهم بما رحبت
وظنّوا أنْ لا ملجأ من الله إلاّ إليه
كذلك الحال سيكون ـ والله أعلم ـ
في البوسنة والهرسك إذ سيتعرّض
الاخوة هناك إلى ضغطٍ شديد ـ ولعلّ
بوادره قد بدأت تلوح في الأفق ـ
تجعل الحياة أشبه بالمستحيل على
أرض كانوا هم السبب الأول ـ بعد
فضل الله ـ في تطهيرها من الأنجاس
النصارى.. وذلك حتى لا يكون أمام
الاخوة إلاّ الانتقال إلى المقبرة
الجديدة المجهولة حتى هذه الساعة.. وهكذا
دواليك، يُصبح المجاهدون أُلعوبة
بيد المخابرات الأمريكية الكافرة ومن
والاها تُوجّههم حيت شاءت إلى البقعة
التي تريدها، استغلالاً لبساطة كثير
من الاخوة واستفادة من حماسهم الجهادي
الذي تجني ثمرته تلك القوى
الطاغوتية ثمّ خروج المجاهدين خالي
الوفاض وصفر الأيادي بعد كل ما
..قدمّوا من تضحيات نفيسة قلّما
يجود بها أهل هذا الزمان
ولا أريد أحداً أنْ يفهم من كلامي
السابق أنّي أتّهم أحداً من المجاهدين
بالعمالة معاذ الله، كيف ذلك وهم
قد رفعوا عن الأمّة إثم القعود والله
المستعان.. ولكن الذي أقصد وكما
هو واضح لكلّ ذي لب أنّهم
...سيُستغلون من حيث لا يشعرون
ومتى تدرك الصورة ـ أخي القارئ ـ
جليّة واضحة .. فعليك بالنظر
إلى حال بلد كالجزائر.. إذ قام الجهاد
فيه على أيدي أُناس أفاضل صدقوا
ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر.. ولم يكن
الجهاد في الجزائر صنيعة مخابرات
ولم يكن مقبرة قد تمّ إعدادها سلفاً
كأفغانستان والبوسنة… بل كان جهاداً
حقيقياً بكل ما تحويه كلمة
جهاد من معان.. ولذلك أُسقط في أيدي
الكفّار، حتى لقد صرّح الكثير
منهم بأنَّ هذا أمر لم يكن معمول
له حساب من قبل، ولو أُعطيت جبهة
الإنقاذ الحكم لكان خيراً وأولى..
لذا فقد اهتزّ العالم أجمع واهتزّت
عروش الكفر للانتصارات التي يُحقّقها
الاخوة هناك يوماً بعد يوماً
وساعة بعد ساعة، ولم يستطع الكفّار
في أي بلد أنْ يخفوا تخوفهم من
تلك الانتصارات، وأنَّ هذا أمر لم
يكن في الحسبان إذ إنّه لم يُصنع على
أعينهم.. ولذلك فقد أجمعت أُمم الكفر
كلها على وجوب التصدي
لهذا التيار الجهادي الجارف بكل
ما تملكه هذه الدول من إمكانيات
وتوالت انعقادات القمم واجتماعات
الساسة وأهل القرار، وتولّت
فرنسا كِبرَ هذا الأمر خوفاً على
مصالحها هناك، وخشية انتقال دائرة
الحرب إلى ساحات باريس وعرصاتها
حتى آل الأمر إلى ما هو عليه
الآن، والله المستعان، نسأل الله
أنْ يُلهم الاخوة رشدهم وأنْ يُثبّت
أقدامهم وينصرهم على من عاداهم وأنْ
يكشف عدوهم وأنْ يرزقهم
.الفراسة والسداد في القول والعمل.
آمين
فلو كان الجهاد في الجزائر مقبرة
قد سبق إعدادها من قبل ما كنا
رأينا هذا الخوف الشديد عند الطواغيت
الأمريكان والأوربيين،
ولتمّت مباركة هذا الجهاد الجزائري
أيّما مباركة، ولأُسند من كافة
...الجهات مادياً ومعنوياً وإعلامياً
.{والله غالبٌ على أمرهِ ولكنَّ
أكثر النّاس لا يعلمون}
:(الوقفة الرابعة عشرة (وهي الخاتمة
أخي القارئ المجاهد إنَّ ما كتبته
آنفاً أرجو أنْ تقرأه بتمعّن وتدبّر وموضوعية
وتجرّد كامل، لأنَّ الحكمة ضالة
المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.. وإنْ وجدت
..زلّة أو خطأ فأرشدنا إلى الصواب،
ودلنّا عليه فإنَّ المؤمن إنّما يُقوّم بإخوانه
:وقد قيل
أخاك أخاك إنَّ من لا أخا
**** له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
والذي أرجوه منك ـ أخي القارئ ـ
أنْ لا تُحمّل كلامي مالا يحتمل ومالا أقصد
وأنْ لا تُقوّلني ما لم أقل،
وإذا وجد شيء من الكلام يحتمل كذا وكذا فاحمله
..على أحسن الوجهين مقدماً حُسن
الظن بي على سوئه، وكن كخير ابني آدم
.وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين
وكتب: مسلم غيور